كان كعب بن زهير من الكفار الذين بالغو في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، قبل أن يأتيه متخفياً طالباً منه الصفح والأمان والعذر والدخول في الإسلام، فقبل منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ألقى الشاعر منظومته المشهورة بـ (البردة) يومها، وقال فيها:
قصيدة كعب بن زهير بانت سعاد
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ … مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ ظَعَنُوا … إِلَّا أَغَنٌّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ … كَأَنَّهَا مُنْهَلٌّ بِالْكَأْسِ مَعْلُولُ
شَجَّ السُّقَاةُ عَلَيْهِ مَاءَ مَحْنَيةٍ … مِنْ مَاءِ أَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ
تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ … مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٍ يَعَالِيلُ
سَقْيًا لَهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ … مَوْعُودَهَا وَلَوْ أَنَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ
لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا … فْجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ
فَمَا تَدُومَ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا … كَمَا تَلَوَّنَ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ
فَلَا تَمَسَّكُ بِالْوَصْلِ الَّذِي زَعَمَتْ … إِلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا … وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلَّا الْأَبَاطِيلُ
فَلَا يَغُرَّنَّكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ … إِلَّا الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ
أَرْجُو أَوْ آمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا … وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ
أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ مَا يُبَلِّغُهَا … إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ
وَلَنْ تَبْلُغَهَا إِلَّا عَذَافِرَةٌ … فِيهَا عَلَى الْأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ … عَرَضْتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
يَمْشِي الْقُرَادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَزْلِقُهُ … مِنْهَا لِبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ
عَيْرَانَةٌ قَذَفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عَرَضٍ … وَمِرْفَقُهَا عَنْ ضُلُوعِ الزُّورِ مَفْتُولُ
كَأَنَّمَا قَابَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحِهَا … مِنْ خُطُمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ
تَمْرٌ مِثْلُ عَسِيبِ النَّحْلِ إِذَا خَصَلَ … فِي غَارِ زَلْمٍ تَخُونُهُ الْأَحَالِيلُ
قَنْوَاءُ فِي حَرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا … عَتَقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ
تَخْذَى عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَةٌ … ذَا وَبَلٍ مَسَّهُنَّ الْأَرْضُ تَحْلِيلُ
حَرْفٌ أَبُوهَا أَخُوهَا مِنْ مَهْجَنَةٍ … وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءٌ شَمْلِيلُ
سَمَرَ الْعَجَايَاتِ يُتْرَكُنَّ الْحَصَازَيْمَا … مَا إِنَّ تَقَيَّهُنَّ حَدَّ الْأَكْمِ تَنْعِيلُ
يَوْمًا تَظَلُّ حِدَابُ الْأَرْضِ يَرْفَعُهَا … مِنَ اللَّوَامِعِ تَخْلِيطٌ وَتَرْجِيلُ
كَانَ أَوْبُ يَدَيْهَا بَعْدَمَا نَجَدَتْ … وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقُورِ الْعَسَاقِيلُ
يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحَرْبَاءُ مُصْطَخَدًا … كَانَ ضَاحِيَةً بِالشَّمْسِ مَمْلُولُ
أَوْبٌ بَدَا نَأْكُلُ سَمْطَاءَ مَعْوَلَةً … قَامَتْ تُجَاوِبُهَا سَمْطٌ مَثَاكِيلُ
نُوَاحَةَ رَخْوَةَ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا … لَمَّا نَعَى بَكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ
تَسْعَى الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيلِهِمُ … إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
خَلُّوا الطَّرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ … فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ … يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي … وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ
فَقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ مُعْتَذِرًا … وَالْعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَقْبُولُ
مَهْلًا رَسُولَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ … الْقُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ
لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ … أُجْرِمْ وَلَوْ كَثُرَتْ عَنِّي الْأَقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ لَهُ … أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ
لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ … عِنْدَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ
حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لَا أُنَازِعُهُ … فِي كَفٍّ ذِي نَقِمَاتٍ قَوْلُهُ الْقِيلُ
فَكَانَ أَخْوَفَ عِنْدِي إِذَا كَلَّمَهُ … إِذْ قِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ
مِنْ خَادِرٍ شِيكِ الْأَنْيَابِ … طَاعَ لَهُ بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
يَغْدُو فَيَلْحُمُ ضِرْغَامَيْنِ عِنْدَهُمَا … لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَنْثُورٌ خَرَادِيلُ
مِنْهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الْوَحْشِ ضَامِرَةً … وَلَا تَمْشِي بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ
وَلَا تَزَالُ بِوَادِيهِ أَخَا ثِقَةٍ … مُطَّرِحِ الْبَزِّ وَالدَّرْسَانِ مَأْكُولُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ … وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ … بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ الْكَأْسُ وَلَا كُشُفٌ … عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مَيْلٌ مَعَازِيلُ
شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لُبُوسُهُمْ … مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حِلَقٌ … كَأَنَّهَا حِلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجَمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمُ … ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
لَا يَفْرَحُونَ إِذَا زَالَتْ رِمَاحُهُمُ … قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إِذَا نِيلُوا
مَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهُمُ … وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ