انشاء عن الوطن
قال أمير الشّعراء أحمد شوقي: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي.
الوطن، يا لها من كلمة جميلة لفظ رائع مريح لقلب الانسان ذات معنى عميق جداً، فيه الأمن والأمان، فيه الحب والسلام، فيه الخير والاستقرار، فيه الراحة والسكينة.
الوطن هو المكان الذي نشأنا فيه وترعرعنا على أرضه كبرنا، نأكل من خيراته وثماره، كبرنا في أحضانه، وقعنا ونهضنا، كافة حياتنا بذكرياتها الجميلة المفرحة والمحزنة فيها، مخزن بأحشائها بذاكرتها، الوطن هو المكان الذي لا يستطيع الاستغناء عن أبناءه، ولا يستطيع أبناءه الاستغناء عنه فله كل الحب والتقدير والمكانة العظيمة، فالوطن حي في قلب كل فرد ينتمي له لا يموت مهما دار بنا الزمان.
الوطن قطعةٌ من الروح، بل هو الروح بأكملِها والقلب الذي ينبض في الأعماق، فالوطن أوسع من الدنيا وأكبر من كلّ الحب، وهو المكانُ الذي تأوي إليه النفس فتنام مرتاحة البال، ولا شيءَ غيره يستطيع أن يشعل فتيل الحياة في القلب لأنّه مسقط الرأس ومثوى الأهل والأحبّة والجيران والأصدقاء.
عندما يولد الانسان يولد بالفطرة يحب الوطن الذي نشأ به، يولد وفي قلبه حب وطنه ويحاول بكل ما لديه من قوة أن يقدم التضحية في سبيل وطنه، فعندما يولد الانسان يشعر أن هناك علاقة تربطه مع هذا الوطن وليست بعلاقة بسيطة، فكل فرد ينشأ بهذه الأرض يعشقها ويحبها، ويفتخر ويعتز بوطنه بأنه أفضل الأوطان بخيره بشره ويسعى لحمايته والدفاع عنه.
فقال أحد الشّعراء:
وطني نشأت بأرضه ودرجت تحت سمائه
ومنحت صدري قـوةً بنسيمه وهوائه
ماء الحياة شربته لمّا ارتويت بمائه
وملأت جسمي عزة حين اغتذى بغذائه
قد لا نجد انتماءً لإنسان أكثر من انتماء رسولنا الكريم حين طرده أهله من مكة، وخرج مهاجراً إلى المدينة، فأمسك حفنة من ترابها وقال”: والله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.” ولم يهنأ حتى عاد إليها فاتحاً منتصراً ليستقر هناك.
للوطن حقوق يجب على كل فرد يعيش به ويأكل من خيراته، ونشأ على أرضه أن يلتزم بها، ومن هذه الحقوق: المحافظة عليه، وحمايته من كلّ شرّ، والارتقاء به إلى أعلى المراتب، والمحافظة على نظافته، وحماية ممتلكاته العامّة، وأن نفديه بأرواحنا في حال تعرّض لأيّ خطر.
حب الوطن قصيدة، ولحن روحي خالد لا ينتهي بعدد كلمات الأرض، فلا زال الشعراء يتغنّون بأوطانهم منذ أن عرف الأنسان أنّ وطنه هو أغلى ما في الوجود، هذا الوطن الذي يفقد الإنسان خارجه كرامته وإنسانيته، ولأجله يقدم نفسه دون خوف أو مهابة، لأنه يعرف أن الوطن هو حيث كرامته، وكرامة أبنائه.
قال الشّاعر في حبّ الوطن:
بدم الأحرار سأرويه
وبماضي العزم سأبنيه
وأشيّده وطناً نضراً
وأقدّمه لابني حُرّاً
فيصون حماه ويفديه
بعزيمة ليث هجّام.
فحبّ الوطن أمرٌ فطريّ يُولدُ مع جميع الكائنات، فالطيورُ التي تُهاجر مهما ابتعدت عن أوطانها فإنّها تعود مجددًا للوطن، والأسماك إن ابتعدت عن البحار التي ولدت فيها فإنّها تُشارف على الهلاك، حتى الحيوانات التي تُغادر أوطانها قسرًا لتُوضع في أقفاص في حدائق الحيوانات فإنّها تفقد جزءًا مهمًا من طبيعتها، فالوطن ليس مجرّد مكان تتوفر فيه ظروف المعيشة المناسبة، بل هو الإحساس الكبير بالأمان والاطمئنان.