اعتمد القرآن الكريم على طبيعة الناس في مسمّياته للتجمعّات السكّانيّة، فإذا كان المجتمع مُتّفقًا على فِكْرة واحدة أو مِهنةٍ واحدة أسماه القرآن قرية ونحن نقول مثلاً: القرية السياحيّة، القرية الرياضيّة ففي سورة الكهف (حتّى إذا أتَيا أهْل قريةٍ استطعما أهلها فأبَوْا أنْ يُضَيّفوهمَا) فعندما اتّفق المُجتمع على البُخْل أسماه القرآن الكريم قرية.
وفي سورة يس: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ) عندما اتّفقوا على الكُفْر أسماها القرآن أيضًا قرية. وعندما اتّفق قوم لوط عليه السلام على معصية واحدة قال تعالى: (ونجّيناه من القرية التي كانت تعْمل الخبائث) سورة الأنبياء.
أما عِندما يُطلق القرآن الكريم مُسمّى مدينة يكون المُجتمع فيه الخير وفيه الشرّ، أو يكون سكّانه في عداء مع بعضهم.
والدليل على ذلك أنّ القرآن الكريم أطلق على يثرب اسم: مدينة، وذلك لوجود منافقين وصحابة مؤمنين بنفس المجتمع، فقال تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) سورة التوبة.
لذلك لم يردْ في القرآن الكريم أنّ الله سبحانه قد أهلك مدينة، بل يُهلك القرى الكافرة تمامًا أي يأتي الهلاك عندما يعمّ الكُفر في المجتمع.
ومن العجيب في سورة يس، أنه عندما أسلم أحد الأشخاص، أصبحت القرية الكافرة مدينة، فيها الكفر وفيها الإيمان، لذلك قلب القرآن الكريم التسمية فورًا وبذات الحَدَث منْ قرية إلى مدينة حيث قال في بداية القصة «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ» فلما أعلن أحد أهلها إسلامه سمّاها مدينه: «وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى».