profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
١٦ أبريل ٢٠٢١
قبل ٣ سنوات
 ثبت عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ) أخرجه أبو داود في سننه وحسنه الألباني.

والمقصود هنا بأنا زعيم: أي أنا ضامن وكفيل أو ملتزم له بذلك. قال الخطابي البيت هاهنا القصر يقال هذا بيت فلان أي قصره في ربض الجنة بفتحتين أي ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع، والمراء أي الجدال كسرا لنفسه كيلا يرفع نفسه على خصمه بظهور فضله.

والمقصود بربض الجنة: أي أسفلها وأطرافها فكما هو معلوم ومعروف بأن الجنة طبقات.

- والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم "وإن كان محقاً " أي من ترك الجدال وهو محق ـ أي صادق ومتكلم بالحق.

- والحكمة في أن الله تعالى قد جعل للذي يترك الكذب بيت في وسط الجنة لتركه كسر قلب من يجادله ودفعه رفعة نفسه وإظهار نفاسة فضله وهذا يشعر بأن معنى صدر الحديث أن من ترك المراء وهو مبطل فوضع الكذب موضع المراء، لأنه الغالب فيه، أو المعنى أن من ترك الكذب ولو لم يترك المراء بني له في ربض الجنة، لأنه حفظ نفسه عن الكذب لكن ما صانها عن مطلق المراء فلهذا يكون أحط مرتبة منه،

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: حد المراء الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما لفظا، أو معنى، أو في قصد المتكلم وترك المراء بترك الاعتراض والإنكار فكل كلام سمعته فإن كان حقا فصدق به، وإن كان باطلا ولم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه.
ففي هذا الحديث الشريف
ضمن النبي صلى الله عليه وسلم ربض الجنة لمن ترك الجدال والمراء حتى لو كان على حق ومحقا بقوله. وقد خصص الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك له.

-فلو رأينا حالنا اليوم لوجدنا بأن أكثر الأمور تجلب الخلاف بين المسلمين هو الجدال
فتجد أغلب الناس يجادلون دون علم أو فقه، والمهم أن يثبت أن رأيه هو الأصح وعلى الجميع أن يأخذوا به، وأن رأي غيره باطل ولا يصح.

كما أن الحديث هنا يحثنا عن التوقف عن الكذب وأن يعود الإنسان نفسه على قول الصدق وأن يبتعد كل البعد عن الكذب، لأن من ترك الكذب حتى لو كان مازحاً فإنه موعود بهذا الوعد الكريم وهو بيت في وسط الجنة. لقوله صلى الله عليه وسلم: (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً)

كما بين لنا النبي في هذا الحديث منزلة حسن الخلق، وهذه المنزلة المرتفعة والعالية، لقوله
صلى الله عليه وسلم: (وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)

-وعليه:
فالحديث الشريف بين لنا أن الجنة درجات فأدنى درجات الجنة لمن ترك الجدال مع الناس حتى ولو كان صادقاً وعلى حق. وهذا فيهِ حفاظ على النفوسِ وما يَتسبَّبُ فيهِ المراءُ من خِلافٍ وشَقِّ للصفوفِ وحقد وكراهية بين المتجادلين.

- وأوسط درجات الجنة لمن ترك الكذب حتى ولو كان مازحاً لأن المؤمن لا يكذب ولا يوجد شيء في الشرع اسمه الكذب المازح، بل أن الكذب يقود صاحبه إلى الفجور والفجور يقود صاحبه إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذّاب.

- وأعلى درجات الجنة لصاحب حسن الخلق، فهو في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. ويتحصل حَسَنَ الخُلقِ مع الناسِ من خلال كفِّ الأذى عنهم، وبَذْلِ العطاءِ لهم، وطلاقةِ الوَجهِ مع الصَّبرِ على أذاهم.