<img height="1" width="1" style="display:none" src="https://www.facebook.com/tr?id=2095306963815194&amp;ev=PageView&amp;noscript=1">

في 8 نقاط.. ما هي حركة دول عدم الانحياز، ولماذا بات تنشيطها اليوم ضرورة ملحة عالمياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/07 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/07 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
قمة دول عدم الانحياز الـ 18 في باكو، أذربيجان، 2019-2022 (رويترز)

تذكِّر الأجواء الحالية المتوترة بين القوى الكبرى إلى حد بعيد بما كان عليه الحال في العالم، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في ذروة الحرب الباردة، حيث الاستقطاب الشديد بين المعسكرين السوفييتي والأمريكي وحلفي وارسو والناتو، وهو ما أفرز حينها مجموعة مستقلة أو محايدة من الدول، والتي شكلت تجمعاً غير منحاز إلى أي من المعسكرين تحت اسم "حركة دول عدم الانحياز". فما هي هذه المنظمة، ومن هم أعضاؤها، وما أهدافها؟

ما هي حركة دول عدم الانحياز؟

تُعرف حركة دول عدم الانحياز أو "Non-Aligned Movement (NAM)"، بأنها تجمع دولي يضم 120 عضواً من الدول النامية، ظهرت إبان الحرب الباردة مطلع الخمسينيات، وقامت فكرتها على أساس عدم الانحياز لأيٍّ من المعسكرين الغربي، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، أو الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي. وظلت الحركة كذلك هادفة إلى إنشاء تيار محايد وغير منحاز مع السياسة الدولية للقوى العظمى في العالم.

وشهد العالم في مطلع الخمسينيات في أعقاب الحرب العالمية الثانية استقلال جزء كبير من المستعمرات في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتكوينها دولاً مستقلة تجمعها قواسم مشتركة، تتجلى في معارضة سياسة الارتباط بأيٍّ من المعسكرين الشرقي أو الغربي، والسعي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإنهاء السيطرة الأجنبية بكافة أشكالها.

القادة المؤسسون لحركة دول عدم الانحياز، في مؤتمر باندونغ 1955/ wikimedia commons

في ظل هذه الأجواء عقد مؤتمر باندونغ (المؤتمر الآسيوي – الإفريقي)، في إندونيسيا في أبريل/نيسان 1955، وهو أول مؤتمر واسع النطاق على مستوى دول إفريقية وآسيوية معظمها حديثة الاستقلال، وقد نُظم بمبادرة رئيسية من الهند وإندونيسيا، إلى جانب ميانمار (بورما حينها) وسريلانكا (سيلان حينها) وباكستان.

وكانت أهداف المؤتمر تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي الأفرو آسيوي، ومعارضة الاستعمار بكافة صوره بما فيها الاستعمار الجديد، وبحث القضايا العالمية، وانتهاج سياسات مشتركة في العلاقات الدولية.

وشارك في المؤتمر رؤساء ورؤساء حكومات 29 دولة ينتمون إلى الجيل الأول من قيادات ما بعد الحقبة الاستعمارية من قارتي إفريقيا وآسيا، ومن أبرزهم نهرو، والرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو، والرئيس المصري جمال عبد الناصر.

وكانت الفكرة قد بدأت بتشكيل منظمة إقليمية آسيوية، وقد سبق مؤتمر باندونغ مؤتمر آسيوي عقد في الهند في مارس/آذار عام 1947، ومؤتمر ثانٍ عُقد في نيودلهي أيضاً في يناير/كانون الثاني عام 1949، وشاركت فيه 19 دولة.

لكن مؤتمر باندونغ يعتبر الحدث الرئيسي الذي قاد بشكل مباشر إلى قيام حركة عدم الانحياز، حيث قاد لتأسيس حركة دول عدم الانحياز عام 1961 في العاصمة اليوغسلافية بلغراد 29 دولة، وكان ذلك في أوج الحرب الباردة، وآنذاك دعا الرئيس اليوغسلافي المارشال جوزيف تيتو الدول النامية إلى اتباع ما عُرف وقتها بـ"الطريق الثالث" بعيداً عن استقطابات معسكري الحرب الباردة، الغربي والسوفييتي.

من أين جاء مصطلح "عدم الانحياز"؟

تعود صياغة مصطلح "عدم الانحياز" بحسب مصادر عديدة، إلى فينجاليل كريشنا مينون، السياسي والدبلوماسي الهندي، الذي تسلم منصب وزير دفاع الهند خلال فترة من حكم جواهر لا نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد استقلالها.

فقد استخدم مينون الذي ترأس وفد بلاده إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، مصطلح عدم الانحياز خلال خطابه أمام الجمعية عام 1953 والذي تحدث فيه عن سياسات حكومته الحيادية والمناهضة للاستعمار.

ولاحقاً، استخدم نهرو المصطلح نفسه خلال خطابه في كولومبو بسريلانكا عام 1954. ولم تكن سياسة نهرو الخاصة بعدم الانحياز تهدف إلى تعزيز كتلة ثالثة تتخذ موقفاً سلبياً من الكتلتين الأخريين، وإنما التأكيد على هوية مستقلة، والقيام بدور إيجابي، وضمان حرية صنع القرار للدول التي تحررت حديثاً من الاستعمار.

شعار حركة دول عدم الانحياز/ nam

ما مبادئ وأهداف حركة عدم الانحياز؟

تنص مبادئ العشرة لمؤتمر باندونغ الذي كان النواة الأولى لتأسيس حركة دول عدم الانحياز على التالي:

1- احترام حقوق الإنسان الأساسية، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

2- احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.

3- إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها.

4- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها.

5- احترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

6- عدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأي من الدول الكبرى. وعدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى.

7- الامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.

8- الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

9- تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.

10- احترام العدالة والالتزامات الدولية.

متى تأسست حركة عدم الانحياز رسمياً؟

بعد مؤتمر باندونغ بستة أعوام أعلن تأسيس حركة دول عدم الانحياز على أساس جغرافي أكثر اتساعاً خلال مؤتمر القمة الأول الذي عُقد في العاصمة اليوغسلافية بلغراد خلال الفترة من 1-6 سبتمبر/أيلول عام 1961، وحضرته 25 دولة هي: الهند، ومصر، وأفغانستان، والجزائر، واليمن، وميانمار، وكمبوديا، وسريلانكا، والكونغو، وكوبا، وقبرص، وإثيوبيا، وغانا، وغينيا، وإندونيسيا، والعراق، ولبنان، ومالي، والمغرب، ونيبال، والمملكة العربية السعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، إلى جانب يوغوسلافيا. بينما شاركت 3 دول، وهي بوليفيا، والبرازيل، والإكوادور بصفة مراقب.

وكان الاجتماع التحضيري للمؤتمر عُقد في وقت سابق من ذلك العام في القاهرة في الفترة من 5 إلى 12 يونيو/حزيران. وقد استضافت القاهرة المؤتمر الثاني للحركة الذي عقد في 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 1964.

وفضّل المؤسسون إطلاق اسم حركة عليها وليس منظمة، تفادياً للبيروقراطية التي قد تلحق بإدارة المنظمات. أما رموز الحركة والآباء المؤسسون لها فهم رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، والمصري جمال عبد الناصر، والغاني كوامي نكروما، والإندونيسي أحمد سوكارنو، والجزائري هواري بو مدين.

قمة بلغراد التي أعلن فيها عن تأسيس حركة دول عدم الانحياز، wikimedia commons

ما الهيكلية التي تنظم شؤون حركة عدم الانحياز؟

على خلاف منظمات عالمية مثل منظمة الأمم المتحدة أو منظمة الدول الأمريكية، فإن حركة عدم الانحياز ليس لديها دستور رسمي أو سكرتارية دائمة. ويتمتع جميع الأعضاء بنفس الوزن داخل حركة عدم الانحياز، ويتم التوصل إلى مواقف الحركة بالإجماع خلال مؤتمرات القمة التي تجمع رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.

وبما أن دول عدم الانحياز تجتمع بانتظام في الأمم المتحدة، فإن سفير الدولة التي تتولى الرئاسة في الأمم المتحدة يقوم بعمله "سفيراً لشؤون دول عدم الانحياز لدى المنظمة الدولية".

وتنتقل رئاسة الحركة إلى الدولة المضيفة للقمة، وتستمر في رئاستها التي تدوم ثلاث سنوات إلى أن يعقد مؤتمر القمة التالي، حيث تتولى الرئاسة من بعدها الدولة المضيفة له. وبذلك وضع عبء البنية الإدارية على عاتق الدولة التي تتولى الرئاسة، حيث يتحتم عليها إنشاء قسم كامل في وزارة الخارجية لمعالجة القضايا الخاصة بالحركة.

ما الأدوار التي لعبتها هذه الحركة؟

لعبت حركة عدم الانحياز دوراً رئيسياً في الصراعات الأيديولوجية المختلفة، بما في ذلك المعارضة الشديدة لحكومات الفصل العنصري، ودعم حركات التحرر في مواقع مختلفة، بما في ذلك روديسيا وجنوب إفريقيا، كما ناصرت القضية الفلسطينية وأعلنت دعمها سعي الفلسطينيين لنيل عضوية الأمم المتحدة.

وكشرط للعضوية، لا يجوز لدول الحركة أن تكون جزءاً من تحالف عسكري متعدد الأطراف (مثل حلف الناتو مثلاً) أو أن توقع اتفاقية عسكرية ثنائية مع إحدى "القوى الكبرى" إذا تم "إبرامها عمداً في سياق صراعات القوى العظمى"، ومع ذلك، فإن فكرة عدم الانحياز لا تعني أن على الدولة أن تكون سلبية أو محايدة في السياسة الدولية. وعلى عكس ذلك، فمنذ تأسيسها، كان الهدف المعلن لحركة عدم الانحياز هو إعطاء صوت للبلدان النامية وتشجيع عملها المتضافر في القضايا العالمية.

وهذا ما أكد عليه إعلان هافانا عام 1979، بأن هدف الحركة هو مساعدة الدول في الحفاظ على "استقلالها الوطني وسيادتها وسلامة أراضيها وأمنها" في "نضالها ضد الإمبريالية والاستعمار بشكليه القديم والجديد، والعنصرية وكافة أشكال العدوان الخارجي".

حركة عدم الانحياز خلال احتفالها بالذكرى الستين لتأسيسها/ Getty

لماذا تراجعت أدوار حركة عدم الانحياز؟

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية حقبة الحرب الباردة مطلع التسعينيات، واختلال موازين القوى في العالم، وقيام تكتلات إقليمية واقتصادية جديدة، واصلت الحركة الدعوة إلى التعاون الدولي، والتعددية، وحق تقرير المصير، والوقوف ضد عدم المساواة في النظام الاقتصادي العالمي، لكنها فقدت بعضاً من أهميتها وفاعليتها.

وساهم في تراجع فاعلياتها تفكك يوغسلافيا التي كانت من الأعضاء البارزين والمؤسسين في الحركة، وبروز صراعات عرقية وأهلية في عدة مناطق من العالم الثالث، وانشغال عدد من الدول الأعضاء بمشاكل مصيرية وحروب وانقسامات داخلية.

كما تأثرت حركة عدم الانحياز بتغير الخريطة السياسية والاقتصادية الدولية، وتحول بعض أعضائها مثل الهند والصين ودول شرق آسيا وماليزيا إلى دول صناعية متقدمة شكلت تكتلات اقتصادية إقليمية، ما انعكس سلباً على الدور الاقتصادي للحركة.

وتترأس حركة عدم الانحياز حالياً أذربيجان متمثلة برئيسها إلهام علييف، الذي تسلم المهمة من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وقد انعقدت القمة الثامنة عشرة للحركة في باكو خلال الفترة من 25 إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 وشاركت فيها وفود من 120 دولة عضو.

وقد ركزت بشكل أساسي على القضايا المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين. وتتولى أذربيجان رئاسة الحركة إلى حين انتهاء دورة الـ 3 سنوات حتى موعد القمة التاسعة عشرة عام 2022.

هل تعود حركة دول عدم الانحياز للنشاط مجدداً في ظل الاستقطاب الحاد بين روسيا والغرب؟/ Getty

لماذا قد تعود حركة عدم الانحياز للنشاط الآن؟

يشهد العالم الآن حالة استقطاب حادة بين روسيا والغرب، وصلت ذروتها في الحرب الروسية الأوكرانية، ومشاركة الغرب بشكل غير مباشر في هذه الحرب عبر دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً وتقنياً وإرسال أفواج من المقاتلين بشكل "تطوعي"، حيث ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية على العديد من الدول حول العالم لمقاطعة روسيا وعقابها وانتقادها، ما وضع العديد من الدول الأخرى في مأزق صعب بين القوتين، حيث تقتضي مصالحها عدم المجازفة بانضمام صريح إلى أحد طرفي الصراع.

ومن بين الدول التي رفضت الانصياع لأمريكا وإدانة روسيا في الأمم المتحدة بداية الحرب، مصر والهند وصربيا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وباكستان، وإندونيسيا، حيث أدانت بعضها الغزو لكنها رفضت المشاركة بالمقاطعة أو إدانة روسيا بشكل مباشر، أو حتى الالتزام بالعقوبات التي فرضت من الغرب على روسيا.

واليوم تجد هذه الدول نفسها أمام ضغوط أوروبية وأمريكية متزايدة للانضمام إلى حلف المقاطعة، وبوجود تهديد مضمر لا يمكن تجاهله بأن عدم الاستجابة لهذه الضغوط قد يضعها في خانة المعادين للغرب. في المقابل فإن اتخاذ هذه الدول موقفاً قد يقودها إلى التضحية بعلاقاتها بروسيا، ليس من الضروري أن يضمن لها الحصول على الدعم الأوروبي والأمريكي.

وفي خضم هذه الأجواء، بات الحديث عن ضرورة تفعيل أو تنشيط أو إنتاج بديل لحركة دول عدم الانحياز، يتصاعد بشكل كبير، حيث إن معسكر غير الراغبين في التحالف مع الغرب أو مع روسيا بات يتسع منذ غزو روسيا لأوكرانيا وفرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على موسكو.

ومع قيام قوى جديدة بتوليد أقطاب جديدة، فإن الخيارات المتاحة للدول الأخرى حتى التي كانت تُعرف بأنها حليفة للولايات المتحدة، لم تعد مقتصرة على الامتثال والمقاومة، بل يظهر الآن هذا الخيار الثالث الذي ظهر قبل نحو 60 عاماً: الحياد وعدم الانحياز.

تحميل المزيد