في القرآن الكريم نمر دائما بصفات للمؤمنين تأتي على سبيل المدح وفي سياق البشارة للمؤمنين و طالما توقفت للتأمل فيها وفي معانيها وهي دائما ملازمة لمحبة الله تعالى . وكلما استوقفتني صفة من هذه الصفات أتأمل فيها و في السياق الذي جاءت فيه . وذلك لأن كثيرا من هذا الصفات يأتي بيان معناها كثيرا في نفس الآيات التي قبلها أو بعدها.
فمثلا قول الله تعالى : “وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ، جاءت البشارة بالخير للمخبتين ، فمن هم المخبتون ؟ قال تعالى في الآيات التي تليها ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” [الحج : 34 ، 35] .
فأحببت أن اجمع هذه الصفات من التفاسير ومن بعض أقوال الأئمة فيها ، لتكون مرجعا مفيدا لي ولغيري . وسوف يكون جمعي لها منقولا من بعض المواقع التي نحسب أنها دقيقة إن شاء الله في نقلها عنهم. وأرجو من كل من رأى خطأ أو هفوة أن لا يبخل علينا بتصحيحها وذكرها في أي تعليق . ولا تنسونا من صالح دعاءكم فإن الملائكة تجيب من يدعو لأخيه ( ولك بمثل ، ولك بمثل) ، أي أن لك مثل مادعوت لأخيك ، فلا تبخلوا علينا بدعوة صادقة وجزاكم الله خيرا .
بسم الله نبدأ .
المخبتون
قال الله تعالى: “وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ.الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” [الحج : 34 ، 35]
{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} بخير الدنيا والآخرة.
والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده.
ثم ذكر صفات المخبتين فقال:
{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي: خوفا وتعظيما، فتركوا لذلك المحرمات، لخوفهم ووجلهم من الله وحده.
{ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ } من البأساء والضراء، وأنواع الأذى، فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك، بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجره.
{ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ } أي: الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة، بأن أدوا اللازم فيها والمستحب، وعبوديتها الظاهرة والباطنة.
{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة، كالزكاة، والكفارة، والنفقة على الزوجات والمماليك، والأقارب، والنفقات المستحبة، كالصدقات بجميع وجوهها، وأتي بـ { من } المفيدة للتبعيض، ليعلم سهولة ما أمر الله به ورغب فيه، وأنه جزء يسير مما رزق الله، ليس للعبد في تحصيله قدرة، لولا تيسير الله له ورزقه إياه. فيا أيها المرزوق من فضل الله، أنفق مما رزقك الله، ينفق الله عليك، ويزدك من فضله.
من تفسير السعدي رحمه الله.
وقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” [هود : 23]
{ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ } أي: خضعوا له، واستكانوا لعظمته، وذلوا لسلطانه، وأنابوا إليه بمحبته، وخوفه، ورجائه، والتضرع إليه.
من تفسير السعدي (1 / 380)
وذكر ابن القيم رحمه الله من منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الإخبات.
فقال:
الخبت في أصل اللغة : المكان المنخفض من الأرض وبه فسر ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة لفظ المخبتين وقالا : هم المتواضعون
وقال مجاهد : المخبت المطمئن إلى الله عز و جل قال : والخبت : المكان المطمئن من الأرض
وقال الأخفش : الخاشعون
وقال إبراهيم النخعي : المصلون المخلصون
وقال الكلبي : هم الرقيقة قلوبهم
وقال عمرو بن أوس : هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا
وهذه الأقوال تدور على معنيين :
التواضع والسكون إلى الله عز وجل ولذلك عدي بإلى تضمينا لمعنى الطمأنينة والإنابة والسكون إلى الله تعالى .
قال صاحب المنازل : هو من أول مقامات الطمأنينة يعني بمقامات الطمأنينة كالسكينة واليقين والثقة بالله ونحوها.
فالإخبات : مقدمتها ومبدؤها قال : وهو ورود المأمن من الرجوع والتردد.
لما كان الإخبات أول مقام يتخلص فيه السالك من التردد الذي هو نوع غفلة وإعراض والسالك مسافر إلى ربه سائر إليه على مدى أنفاسه لا ينتهي مسيره إليه ما دام نفسه يصحبه شبه حصول الإخبات له بالماء العذب الذي يرده المسافر على ظمأ وحاجة فى أول مناهله فيرويه مورده ويزيل عنه خواطر تردده في إتمام سفره أو رجوعه إلى وطنه لمشقة السفر فإذا ورد ذلك الماء : زال عنه التردد وخاطر الرجوع كذلك السالك إذا ورد مورد الإخبات تخلص من التردد والرجوع ونزل أول منازل الطمأنينة بسفره وجد في السير.
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2 / 3-6) منقول بتصرف.