وضع الشاعر أحمد شوقي قصيدته نهج البردة كتذكار لحج حاكم مصر الخديوي ، وقدمها إليه ، فكانت أجمل تذكار وهدية ، أفاضت مشاعر شوقي الفياضة تجاه الدين ورسول الإسلام . ولمعرفة تفاصيل حياة الشاعر ، أدعوكم إلى زيارة الموضوع التالي :
تعد قصيدة نهج البردة من أطول قصائد أحمد شوقي ، إذ تبلغ مائة وتسعين بيتا ، نسجها أمير الشعراء على أمواج البحر البسيط ، وسنعرض لكم بعض أبياتها على سبيل الإيجاز :
معجم كلمات قصيدة نهج البردة
ريم على القاع : الظبي الخالص البياض على الأرض السهلة المطمئنة .
البان : نوع من الشجر .
العلم : الجبل .
الجؤذر : ولد البقرة الوحشية .
الموائس : المتبخترة
سناؤه : رفعته
السؤدد : السيادة
الديم : المطر الدائم
النقع : غبار الحرب
الغلم : الهائج الثائر
دار السلام : بغداد
شرح أبيات نهج البردة للشاعر أحمد شوقي
مقدمة غزلية
على نهج الشعراء السابقين افتتح شوقي قصيدته بمقدمة غزلية بديعية رائعة ، يتصور فيها محبوبته التي تتنقل كظبي حسن ورشيق ، وقد قتلته صبابة وولها .
ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا * يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
وعظ النفس
ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى مخاطبة نفسه واعظا إياها ، ومبديا الندم على ما سبق من ذنوبه ، وذلك في أبيات كلها حكم ومعاني راسخة ، لينتقل بعدها إلى غرض وموضوع القصيدة الرئيسي ، وهو مدح خير البرية عليه أزكى الصلاة والسلام .
يا نفس دنياك تخفي كل مبكية * وإن بدا لك منها حسن مبتسم
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه * فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير عافية * والنفس من شرّها في مرتع وخم
مدح أشرف الخلق
صلى الله عليه وسلم ، فمحمد هو سيد المرسلين المصطفى برسالة التوحيد والنبوة ، وهو صاحب الحوض المورود يوم القيامة – نسأل الله شربة من يده الشريفة – .
محمد صفوة الباري ورحمته * وبغية الله من خلق ومن نسم
وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة * متى الورود ؟ وجبريل الأمين ظمي
يقص علينا الشاعر بعد ذلك بعض علامات ومعجزات نبي الرحمة المهداة ، منها قصة الراهب بحيرى المشهورة ، وتفجر الماء بين أصابعه ، وتظليل الغمامة له .
لما رآه بحيرا قال نعرفه * بما حفظنا من الأسماء والسيم
سائل حراء وروح القدس هل علما * مصون سرّ عن الإدراك منكتم
لمّا دعا الصحب يستسقون من ظمإ * فاضت يداه من التسنيم بالسنم
وظلّلته فصارت تستظلّ به * غمامة جذبتها خيرة الديم
ويصف بعد ذلك مشهد نزول الوحي بأول آية وهي : اقرأ ، ثم ينتقل إلى الحديث عن معجزة القرآن الكريم ، بصفته الكتاب الخالد الباقي المتمم لجميع الرسالات السابقة .
ونودي اقرأ تعالى الله قائلها * لم تتّصل قبل من قيلت له بفم
جاء النبيّون بالآيات فانصرمت * وجئتنا بحكيم غير منصرم
آياته كلما طال المدى جدد * يزينهنّ جلال العتق والقدم
ينتقل الشاعر إلى الحديث عن بشائر مولده صلى الله عليه وسلم ، في الوقت الذي ساد فيه الظلم والجهل والطغيان ، ومن بشائر هذا المولد تصدع إيوان كسرى .
سرت بشائر بالهادي ومولده * في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم
تخطّفت مهج الطاغين من عرب * وطيّرت أنفس الباغين من عجم
ريعت لها شرف الإيوان فانصدعت * من صدمة الحقّ لا من صدمة القدم
ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم
وفي أبيات تشع جمالا وبراعة ، تطرق أمير الشعراء إلى معجزة الإسراء والمعراج ، وما لحقها من آيات عظيمة .
أسرى بك الله ليلا إذ ملائكه * والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لمّا خطرت به التفّوا بسيّدهم * كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر * ومن يفز بحبيب الله يأتمم
جبت السماوات أو ما فوقهن بهم * على منورة درية اللجم
ركوبة لك من عزّ ومن شرف * لا في الجياد ولا في الأينق الرسم
مشيئة الخالق الباري وصنعته * وقدرة الله فوق الشك والتهم
حتى بلغت سماء لا يطار لها * على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل كل نبي عند رتبته * ويا محمد هذا العرش فاستلم
خططت للدين والدنيا علومهما * يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم
يواصل شوقي في ذكر معجزات سيد الخلق ، ويصف مشهد صاحبي الغار ، وحفظ الله لرسوله وصاحبه من كيد المشركين وتتبعهما ، لينتقل بعد ذلك إلى التأدب مع صاحب البردة البوصيري ، إذ يقر بأنه لا يعارضه بقدر ما أنه مجرد تابع وسائر على نهجه .
المادحون وأرباب الهوى تبع * لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك حب خالص وهوى * وصادق الحب يملي صادق الكلم
الله يشهد أني لا أعارضه * من ذا يعارض صوب العارض العرم
وإنما أنا بعض الغابطين ومن * يغبط وليك لا يذمم ولا يلم
ويعقد مقارنة طريفة بينه وبين نبي الله عيسى عليه السلام ؛ فيقول :
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له * وأنت أحييت أجيالا من الرمم
والجهل موت فإن أوتيت معجزة * فابعث من الجهل أو فابعث من الرجم