سمي "العصر الجاهلي" بهذا الاسم نظراً لانتشار الجهل بالقراءة والكتابة عند العرب في ذلك العصر، حتى أصبحت الكتابة عيباً عندهم، استمر عند البعض حتى بعد ظهور الإسلام! فقد ورد في الأغاني أن عيسى بن عمر قال: قال لي غيلان ذو الرمة: "اِرفع هذا الحرف".. فقلت له: "أتكتب"؟! فوضع يده على فيه وقال: "أُكتم عليَّ.. فإنه عندنا عيب"!

كما انتشر الجهل بتعاليم الحنيفية السمحة، دين إبراهيم الخليل عليه السلام، رُغم أنهم كانوا يعبدون الله، ويتبتلون له، ويحجون بيته..

ولهذه الأسباب، وليس لانعدام الأخلاق كما يُعتقد، سمي هذا العصر بالعصر الجاهلي، وأُطلق على أهله وصف الجاهليين..

فقد كان العرب الجاهليون على درجةً راقيةً من الحس الأدبي والشعري، وعلى مستوىً عالياً من السمو الأخلاقي، وعلى قدر كبير من الرجولة، والمروءة، والنجدة، والكرم، والشجاعة، وحب الديار، وحماية الذمار، وإكرام الجار، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وسمو الأخلاق، والشرف، والغيرة..

ويتميز العرب بأنهم أكثر الشعوب فصاحةً وحفظاً، كما يتصفون بالصفاء الذهني، كصفاء صحرائهم النقية، فكأن أذهانهم النقية كانت تعد لحمل أعظم رسالة في الوجود، وهي دعوة الإسلام الخالدة..

ومن صفاتهم البارزة الكرم، وهذا الخُلُق يتأصل فيهم طبعاً لا تطبعاً، فيؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، حتى أن أحدهم لا يكون عنده إلا فرسه، فيأتيه الضيف، فيسارع إلى نحرها له! وكان بعضهم لا يكتفي بإطعام الإنسان، بل كان يطعم الوحوش في فيافي القفار، والطير على رؤس الجبال! وكرم حاتم الطائي، الذي سارت به الركبان، خيرُ مثالٍ على ذلك..

وكان العرب بفطرتهم يحبون الحرية، ويأبون الضيم.. وكانوا يحمون المستجير بهم، فتكون أنفسهم دون نفسه، وأموالهم دون ماله.. ولا يقدس العرب أمراً فوق الشرف، وصيانة العرض، وحماية الحريم، حتى استرخصوا في سبيل ذلك أرواحهم، حيث يتميزون بالغيرة الشديدة، التي لا يضاهيهم فيها أمة من الأمم..

ومن مظاهر غيرتهم الشديدة، العادة الذميمة التي قضى عليها الإسلام، وهي عادة "وأد البنات" خوفاً من العار..

كما أن غطاء الوجه كانت تستخدمه نساء العرب منذ العصر الجاهلي، وكان شائعاً بينهم في ذلك الزمن، حيث كانت النساء يلبسن البرقع، الذي لايزال مستخدماً في بادية الجزيرة العربية، ولازالت تلبسه نساء قبائل المملكة إلى الآن..

ومن الشواهد على ذلك قول الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد:

وَكَشَفْتُ برقعها فأشرقَ وجهها حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِرا

ويقول في شاهدٍ آخر، من قصيدةٍ أُخرى:

جفُونُ العذَارى منْ خِلال البرَاقع

أحدُّ من البيضِ الرِّقاق القواطعِ

إذا جُرَّدتْ ذلَّ الشُّجاعُ وأصبحتْ

محاجرهُ قرْحى بفَيض المدَامِعِ

ويقول:

فولتْ حياءً ثم أرختْ لثامها

وقد نثرتْ من خدِّها رطبَ الورد

وسلتْ حساماً من سواجي جفونها

كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ

تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ

ومِنْ عجبٍ أن يقطع السيفُ في الغمدِ

يبيتُ فتاتُ المسكِ تحتَ لثامها

فيزدادُ منْ أنفاسها أرجُ الندِّ

ورغم رهافة الحس، ورقة الشعور، وصدق المشاعر، وشدة الوجد في هذه الأبيات..

إلا أنهم رغم ذلك كانوا يتمسكون بالعفة، ويشيمون عن الرذائل، ويبتعدون عن مساوئ الأخلاق..

حيث يقول الشاعر الجاهلي عنتر بن شداد:

لئن أكُ أسوداً فالمسكُ لوني

ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواء

وَلَكِنْ تَبْعُدُ الفَحْشاءُ عَني

كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جوِّ السَّماء