رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسباب رحمة الله تعالى

الدكتور ابراهيم البيومى
الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب

جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءًا واحِدًا» أي: رحمةً واحدةً من مائة رحمة، «فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحمُ الخَلائِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ ولَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ» .

 

الله أرحم بعباده فهو جل في علاه أرحم بنا من أنفسنا وأرحم بنا من والدينا؛ جاء في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأةً تبتغي صبيًّا، تبحث عنه، فوجدته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم ينظرون إلى هذه المرأة التي تبحث عن ابنها فقال لهم: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» أي: أتظنون أو تعتقدون أن هذه المرأة تقدر أن تطرح ولدها في النار؟ قال الصحابة: «قُلْنَا: لاَ وَاللَّهِ وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ» أي: لا تفعل ذلك وهي تقدر ألا تفعل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» .

 

بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه حول رحمة الله بعبادهوأضاف قائلا:

 

إن رحمة الله تصيب كل خلقه، فقد وسعت جميع الخلق، إلا أن نصيبهم من الرحمة متفاوت، فكلما زادت أسباب الرحمة فيك كان نصيبك منها أعلى؛ ولذلك نبه الله تعالى في كتابه إلى السبيل والطريق الذي تنال به رحمته جل في علاه، الذي تدرك به هذه الرحمة التي يدرك بها الإنسان سعادة الدنيا وفوز الآخرة، فالجنة هي رحمته جل في علاه كما قال: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكَ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي» .

 

أيها المؤمنون, إذا فتح الله على العبد أبواب الرحمة ناله كل خير، وأدرك به كل بر، ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ، فتعرضوا لرحمة الله جل وعلا، سلوه من فضله، خذوا بأسباب الفوز برحمته جل في علاه، فقد بيَّنها لكم في كتابه، وبيَّنها لكم رسوله في سنته، بقدر ما يكون معك من أسباب الرحمة يكون نصيبك من رحمة الله، فالناس بين مستقلٍّ ومستكثر، قال الله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ .

 

ثم قال في طريق كسبها - عدُّوا الخصال -: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)﴾ ، اللهم اجعلنا منهم يا ذا الجلال والإكرام.

 

و يقول الله تعالى في آية أخرى في بيان من سينالون رحمته في الدنيا والآخرة، يقول جل في علاه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ تلك خصالٌ شريفةٌ عاليةٌ، ﴿أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ، اللهم اجعلنا منهم يا ذا الجلال والإكرام.

 

عباد الله, رحمة الله تُنال بطاعته وطاعة رسوله، فجدُّوا في طاعة الله وطاعة رسوله، طاعة الله أن تفعل ما أمرك به، وأن تترك ما نهاك عنه، كذاك طاعة رسوله أن تفعل ما أمرك به صلى الله عليه وسلم، وتترك ما نهاك عنه صلى الله عليه وسلم، عند ذلك أبشر قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .

 

أيها المؤمنون, تُنال رحمة الله عز وجل بتقواه كما ذكر جل في علاه: ﴿وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ، وكما قال سبحانه تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .

 

تُنال رحمة الله عز وجل باتباع ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ، فاتبعوا رسوله تنالوا رحمة ربكم جل في علاه.

رحمة الله تُنال بالصلاة والزكاة وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلله كم من الرحمات التي تنزل على المصلين وهم بين يدي ربهم يتلون كتابه ويركعون له، يسجدون له ويسبحونه بأقوالهم وقلوبهم وأعمالهم، فلله كم من الرحمات التي تتنزل عليهم.

 

يا له من حرمان يناله أولئك الذين تخلفوا عن هذا المكان العظيم الذي به تتنزل الرحمات، يقول الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .

 

فاتقوا الله عباد الله، واجتهدوا في نيل رحمته، وإن من أعظم أسباب رحمته أن تكثروا من الاستغفار والتوبة؛ قال الله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .

 

أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم من كل ذنب صغير

وكبير، اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات يا ذا الجلال والإكرام.

 

وأضاف الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب محذرا عباد الله قائلا:

 

فاتقوا الله عباد الله، وابذلوا الأسباب التي تدركون بها رحمة العزيز الغفار، الرحيم الرحمن جل في علاه، فرحمته سبحانه وبحمده ما أقرب حصولها لمن صدق في طلبها، والله لا يخلف الميعاد، الله لا يخلف الميعاد إذا وعد أوفى وإذا قال صدق، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ .

 

خذوا أسباب الرحمة تنالوها في أنفسكم وفي أهليكم وفي أموالكم وفي شأنكم كله في دنياكم، ثم تفوزون برحمةٍ عظيمةٍ في أخراكم في الجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 

رحمة الله لها أسباب، ومن أعظم أسبابها الإحسان، ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ، أحسنوا بالمعنى العام الشامل لكل صور الإحسان، ليس فقط ببذل المال، أحسنوا في عبادة الله عز وجل بأن تعبدوه جل في علاه كأنكم ترونه، فإن لم ترونه فإنه يراكم، فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أحسنوا بإقامة شرعه جل وعلا في أنفسكم، بحفظ أنفسكم من كل سيئة والمبادرة إلى كل طاعة؛ فإن ذلك مما يعرضكم لرحمته ويفتح لكم خزائن الرحمة، ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ .

 

الله جل في علاه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، تعرض لرحمة الله؛ فقد قال ربك: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ، فإذا أردت الرحمة فكن من هؤلاء، ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، المحسنون في عبادة الله، المحسنون مع الخلق بكل أوجه الإحسان قولًا وعملًا وبذلًا وسائر أوجه الإحسان حتى الإحسان إلى البهائم، فقد دخلت امرأة الجنة في كلبٍ سقته عطشان، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها فلم تطعمها ولم تذرها تأكل من خشاش الأرض، ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

 

اعمروا قلوبكم بالرحمة للخلق، فإذا أردت رحمة الله فارحم الخلق، الراحمون يرحمهم الله، قال «ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» . «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ» , هكذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، ليست الرحمة بعيدةً على من أخذ الأسباب، بل لا تنزع الرحمة إلا من شقي، ومن لا يرحم لا يرحم، فارحموا الخلق وارحموا كل من تدرككم الرحمة في شأنهم، واحتسبوا الأجر عند الله، لا تنتظروا جزاءً ولا شكورًا ولا عوضًا ولا مقابلةً، عاملوا الله في الخلق تنجوا من كل ضائقة تكدركم في معاملتهم، ﴿إنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾ .

 

سلوا الله من رحمته صادقين؛ فالله كريمٌ منان لا يرد من سأله صادقًا، فما من عبدٍ يرفع يديه لربه ويرجع خالي اليدين، بل لا بد أن ينال من عطائه ما يشرح صدره ويقيه شر ما يخاف، وقد قال: «إن اللهَ حييٌّ كريمٌ يستحي من عبدِه إذا رفع يديْهِ أن يرُدَّهُما صِفْرًا» يعني خاليتين.

 

اللهم املأ قلوبنا بمحبتك واعمرها بتعظيمك واجعلنا من أهل رحمتك يا ذا الجلال والإكرام.