الصبر نصف الإيمان

وإنك لعلى خلق عظيم
02:43 صباحا
قراءة 4 دقائق

ورد الصبر في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعاً، وجعل أكثر الخيرات والدرجات ثمرة للصبر فقال تعالى: ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون، وقال: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وقال عز وجل: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا .

جهاد النفس

وقد قيل بحق إن الصبر على الأذى هو جهاد النفس، وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، وقد جبل الله الأنفس على التألم بما يفعل بها ويقال فيها، ولهذا شق على النبي صلى الله عليه وسلم نسبتهم له إلى الجور في القسمة، لكنه حلم عن القائل فصبر، وقال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، والحديث يرويه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة كبعض ما كان يقسم، فقال رجل من الأنصار: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، قلت: أما أنا لأقولن للنبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو في أصحابه فساررته، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته، ثم قال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من ذلك فصبر .

ويروي مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديدا، قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها .

عطاء الصبر

والأحاديث في فضائل الصبر كثيرة منها ما أخرجه الشيخان في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها، وفي رواية أخرى: ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر بها من خطاياه، وفي حديث آخر: لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة، في جسده، وفي ماله، وفي ولده، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر .

وأخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر .

والصبر كله خير، وهو عون للعبد على كل خير، صبر يعينه على الاستقامة على الطاعة، وصبر يعينه على الكف عن المعاصي، وصبر يعينه على تحمل الأقدار والرضا بها والطمأنينة، وهذا هو النوع الثالث من أنواع الصبر، صبر على المكاره والشدائد والمصائب والبلايا وكل ما يزعج النفس من ألم أو أذى أو ضيق معيشة أو حزن يلحق الإنسان بسبب مصيبة، كالصبر على الأمراض وزوال الصحة أو على شدة مرارة الفقر أو على فقدان من يعز من الأهل والأصحاب والأصدقاء وهلاك الأموال وغيرها كثير، قال تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور، فمن ابتلي بأي مصيبة من هذه المصائب فصبر عليها فهو عند الله في خير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يصب منه، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: الصبر يأتي على قدر البلاء .

الصدمة الأولى

ومن حسن الصبر ألا يظهر تأثير المصيبة على المصاب قال تعالى: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، فالصبر عند الصدمة الأولى، وفي البخاري عن أنس بن مالك: يقول لامرأة من أهله: تعرفين فلانة؟، قالت: نعم، قال: فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر بها وهي تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، فقالت: إلى ك عني، فإنك خلو من مصيبتي، قال: فجاوزها ومضى، فمر بها رجل فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ما عرفته، قال: إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بواباً، فقالت: يا رسول الله، والله ما عرفتك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصبر عند أول صدمة .

أما أم سلمة رضي الله عنها فقد صبرت واسترجعت عند فقد زوجها وصبرت ونالت جزاء صبرها أن أصبحت زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم وأماً للمؤمنين، والقصة يرويها مسلم في صحيحه عنها رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها، قالت: ولما توفي أبو سلمة، قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله، فقلتها، قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن أعظم الصبر أن يصبر المؤمن على مخالطة الناس فيصبر على أذاهم، وقد أخرج ابن ماجه بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن الذي يخالط الناس يصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، وأكمل المؤمنين من جمع بين الصبر على المصيبة والرضا عن الله تعالى، يرجو ما عند الله من الثواب الذي وعد به الصابرين الصادقين، وفي هذا قال علي كرم الله وجهه: من إجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكو وجعك، ولا تذكر مصيبتك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"