خطبة بعنـــــــوان :
الصحبة وأثرها في بناء الشخصية
للشيخ / محمد حســـن داود
الصحبة وأثرها في بناء الشخصية
للشيخ / محمد حســـن داود
العناصــــر :
- مكانة الصحبة وأثرها في بناء الشخصية .
- دعوة الإسلام إلى اختيار الصحبة الصالحة .
- اثر الصحبة الصالحة .
- اثر صحبة السوء .
- الصحبة بين الآباء والأبناء .
- مكانة الصحبة وأثرها في بناء الشخصية .
- دعوة الإسلام إلى اختيار الصحبة الصالحة .
- اثر الصحبة الصالحة .
- اثر صحبة السوء .
- الصحبة بين الآباء والأبناء .
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ( الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) الزخرف67 ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف" الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكمْ مَنْ يُخَالِل " رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
إن الإنسان اجتماعي بطبعه، لا يستطيع أن يعيش بمفرده منعزلا عن الناس ، ولو استطاع ذلك فرد، ما استطاع سائر الناس، وإذا كان هذا أمرا واقعيا ، فلاشك أن من واجب العاقل أن يتخير من يخالط؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ " رواه احمد والترمذي) فأصدقاء الإنسان هم له ميزان؛ فان قلت من صاحبك قلت لك من أنت، إذ أن المرء يعرف بصاحبه، قال ابن حبان" وما رأيت شيئا أدل على شيء ، ولا الدخان على النار ، مثل الصاحب على الصاحب " روضة العقلاء؛ لابن حبان) ولله در القائل :
أنتَ في النَّاس تُقَاس *** بالذي اختَرت خَلِيلا
فاصْحَب الأخيَار تَعلو *** وتَنل ذِكرًا جَميـــــلا
فاصْحَب الأخيَار تَعلو *** وتَنل ذِكرًا جَميـــــلا
بل إن من المؤثرات الأساسية في تكوين الشخصية ؛ الصحبة، فالإنسان مجبول على التأثر بصاحبه وجليسه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكمْ مَنْ يُخَالِل " رواه أبو داود والترمذي، وقال حسن) فإن كانت صُحبة أخيار أفاضت على الأصحاب كل الخير، وإن كانت صُحبة أشرار فمن المؤكد أنها ستترك أثارها الوخيمة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " لا تَصْحَبِ الْفَاجِرَ يُعَلِّمْكَ مِنْ فُجُورِهِ، وَلا تُفْشِ إِلَيْهِ سِرَّكَ " رواه البيهقي) فصحبة أهل الخير بركة ، صحبة أهل الخير دواء ولقد قال الله جل وعلا ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ الزخرف 67) وصحبة أهل السوء حسرة وندامة، صحبة أهل السوء داء ، ولقد قال الله جل وعلا ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾الفرقان27 - 29)
ولقد دعانا الإسلام إلى اختيار الصحبة الصالحة، ومجالسة الأخيار؛ فقد قال الله تعالى ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ الكهف 28)وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ " رواه احمد والترمذي) وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ ؟ . قَالَ : " مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ ، وَذَكَّرَكُمْ بِالآخِرَةِ عَمَلُهُ " رواه أبو يعلى ) وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يضرب لنا أروع الأمثال في مجالسة أهل الخير وغيرهم من أهل السوء في دعوة إلى اختيار الصحبة الصالحة ومجالسة أهل الخير فيقول " مَثَلُ الجليس الصَّالِح و الجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً " متفق عليه، واللفظ للبخاري) فلقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من صاحب السوء حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه ؛ فعَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمِ السُّوءِ، وَمِنْ لَيْلَةِ السُّوءِ، وَمِنْ سَاعَةِ السُّوءِ، وَمِنْ صَاحِبِ السُّوءِ، وَمِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ رواه الطبراني وابن حبان وحسنه )
ولقد أدرك الصحابة والسلف الصالح أثر الصاحب على صاحبه، ومن ثم كانت وصيتهم بالصحبة الصالحة، وتحذيرهم من الصحبة السيئة؛ فقال مالك بن دينار رحمه الله " إنك أن تنقل الحجارة مع الأبرار ، خير من أن تأكل الخبيص مع الفجار "( والخبيص نوع من أنواع الحلوى يصنع من التمر مخلوطا بالسمن ) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ) ، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه " لصاحب صالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من صاحب السوء"، ومن كلام الإمام علي رضي الله عنه " فَلا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ، فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى حَلِيمًا حِينَ آخَاهُ، يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ إِذَا مَا هُوَ مَاشَاهُ ، وَلِلشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ مَقَايِيسٌ وَأَشْبَاهُ، وَلِلْقَلْبِ عَلَى الْقَلْبِ دَلِيلٌ حِينَ يَلْقَاهُ " . وقال لقمان لابنه وهو يعظه " يا بني إياك وصاحب السوء، فإنه كالسيف المسلول، يعجبك منظره، ويَقبُح أثره " ولله در القائل :
عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ *** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارَنِ يَقْتَـــــــــــــــــدِي
إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُـــمْ *** وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُـــمْ *** وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
إن للصحبة الصالحة أثارا طيبة ؛ ولعل من ذلك :
- حب الله جل وعلا ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ " وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ : ... ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، " متفقٌ عَلَيْهِ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي " رواه مسلم ) .
- الحصول على بركتهم ؛ فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً، فُضُلًا يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فيه ذِكْرٌ قَعَدُوا معهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بأَجْنِحَتِهِمْ، حتَّى يَمْلَؤُوا ما بيْنَهُمْ وبيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إلى السَّمَاءِ، قالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهو أَعْلَمُ بهِمْ: مِن أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فيَقولونَ: جِئْنَا مِن عِندِ عِبَادٍ لكَ في الأرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ، قالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قالوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قالَ: وَهلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالوا: لَا، أَيْ رَبِّ قالَ: فَكيفَ لو رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قالوا: مِن نَارِكَ يا رَبِّ، قالَ: وَهلْ رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: لَا، قالَ: فَكيفَ لو رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، قالَ: فيَقولُ: قدْ غَفَرْتُ لهمْ فأعْطَيْتُهُمْ ما سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ ممَّا اسْتَجَارُوا، قالَ: فيَقولونَ: رَبِّ فيهم فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إنَّما مَرَّ فَجَلَسَ معهُمْ، قالَ: فيَقولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ" . رواه مسلم)
- التقرب إلى الله بالطاعات: فالصحبة الصالحة تدفعك إلى الطاعة وتعينك عليها فالصاحب ساحب ؛ عَنْ أَبِي قِلابَةَ ، قَالَ : " الْتَقَى رَجُلانِ فِي السُّوقِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : يَا أَخِي ، تَعَالَ حَتَّى تَدْعُوَ اللَّهَ فِي غَفَلَةِ النَّاسِ فَفَعَلا ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَأَتَاهُ فِي مَنَامِهِ ، فَقَالَ : يَا أَخِي ، عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ لَنَا عَشِيَّةَ الْتَقَيْنَا فِي السُّوقِ "
- التبصرة بالعيوب لإصلاحها، إذ أن المؤمن مرآة أخيه ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والصاحب الصالح هو من يبصر صاحبه بعيوبه حتى يقومها.
- سبب للحشر معهم يوم القيامة ؛ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ : " وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ " قَالَ : لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " . قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " ، قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ " رواه البخاري)
- ولقد صور لنا النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة الصحبة الصالحة في الآخرة ؛ كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد ألخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ...، حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَحُجُّونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّار ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ... "
وعَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : " الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ سورة الزخرف آية 67 ، قَالَ : خَلِيلَانِ مُؤْمِنَانِ , وَخَلِيلَانِ كَافِرَانِ ، فَتُوُفِّيَ أَحَدُ الْمُؤْمِنِينَ فَبُشِّرَ بِالْجَنَّةِ ، فَذَكَرَ خَلِيلَهُ فَقَالَ : اللَّهُمَّ خَلِيلِي فُلانٌ كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ ، وَيَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ ، وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ ، وَيُنَبِّئُنِي أَنِّي مُلاقِيكَ ، اللَّهُمَّ فَلا تُضِلَّهُ بَعْدِي , حَتَّى تُرِيَهُ , كَمَا أَرَيْتَنِي ، وَتَرْضَى عَنْهُ , كَمَا رَضِيتَ عَنِّي ، ثُمَّ يَمُوتُ فَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَ أَرْوَاحِهِمَا ، ثُمَّ لِيَقُلْ : لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ : نِعْمَ الْأَخُ ، وَنِعْمَ الصَّاحِبُ ، وَنِعْمَ الْخَلِيلُ ، ثُمَّ يَمُوتُ أَحَدُ الْكَافِرِينَ فَيُبَشَّرُ بِالنَّارِ فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنَّ خَلِيلِي كَانَ يَأْمُرُنِي بِمَعْصِيَتِكَ , وَمَعْصِيَةِ رَسُولِكَ ، وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ ، وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ ، وَيُنَبِّئُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلاقِيكَ ، اللَّهُمَّ , فَلَا تَهْدِهِ بَعْدِي , حَتَّى تُرِيَهُ , كَمَا أَرَيْتَنِي ، وَتَسْخَطَ عَلَيْهِ كَمَا سَخِطَ عَلِيَّ ، ثُمَّ يَمُوتُ الْآخَرُ فَيَجْمَعُ بَيْنَ أَرْوَاحِهِمَا ، ثُمَّ يَقُولُ : لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ : بِئْسَ الْأَخُ ، وَبِئْسَ الصَّاحِبُ , وَبِئْسَ الْخَلِيلُ ، ثُمَّ قَرَأَ ( الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) سورة الزخرف آية 67 " .
وكما أن لصحبة الصالحين الأثر الطيب في الدنيا والآخرة فلا شك أن لصحبة أهل السوء الأثر السيئ والعاقبة الوخيمة ومن ذلك :
- الغفلة عن طاعة الله وإتباع الأهواء قال تعالى ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ الكهف28) وقال تعالى ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾النجم 29)
- الذكر السيئ فصديق السوء لو لم تجني من مجالسته إلا السمعة السيئة لكفاك سوءاً، وصديق الصلاح لو لم يصلك منه إلا السمعة الحسنة لكفاك خيرا، فمن صاحب أهل الخير نسب إليهم على لسان الناس وإن لم يعمل بمثل عملهم، ومن صاحب أهل السوء نسب إليهم على لسان الناس وان لم يعمل بمثل عملهم .
- تزيين المعاصي في النفوس، وفتح أبواب الشرور؛ فأصحاب السوء يدفعون إلى ارتكاب كل مذموم ، فلربما كان منهم من يدعو صاحبه إلى الإدمان والمخدرات وتدمير صحته وعقله اثر المخدرات، وان تسأل من وقع في شباك الإدمان عن بداية طريقه، تجد جوابه صاحب السوء، ولربما افسد صاحبه بالعقائد المنحرفة والمفاهيم المغلوطة؛ فدفعه إلى الأفكار المتطرفة التي تهدم وتخرب وتشتت وتفرق؛ وفى القران الكريم مشاهد كثيرة لأصحاب السوء واثر فعلهم ؛ ولعل في ذلك اشد التحذير من إتباع مثل هؤلاء إذ يقول الله جل وعلا ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * فَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) الصافات 50- 61)
إننا وما دام حديثنا عن الصحبة، فلا نغفل أهمية الصحبة الطيبة بين الأبناء والآباء ، ففي صحبة الوالدين بالمعروف خيري الدنيا والآخرة، لذلك لما جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: " أُمُّكَ " قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ " أُمُّكَ " قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " أُمُّكَ " قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ " ثُمَّ أَبُوكَ " متفق عليه).
كما أن في صحبة الأبناء؛ استقامة الأسرة؛ فهي من أهم الدعائم والركائز الأساسية للأسرة الناجحة، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ " فكثير من الآباء يفتقدون دور الصديق للأبناء، مع أن الصحبة المبنية على أُسس التفاهم والصراحة والحب والاحترام والمودة، طريق مثالي للتربية الحسنة والتنشأة الطيبة، لما لهذه الصحبة من تأثير ايجابي جدا على سلوكيات الأبناء، والتعرف عليهم عن قرب وتوجيههم إلى لطريق الصحيح؛ فعادة ما يحتاج الابن إلى من يأخذ منه المشورة، وفى ظل غياب دور الصداقة من الوالدين يلجا الابن إلى غير والديه؛ ربما ليس لأن هذا الصديق حسن الخلق فربما كان مذموم الطباع، لكن لأن هذا الصديق لديه من الوقت ما يسمح بسماع الابن، أو ربما كان هذا الصديق يتحدث مع الابن بلطف على عكس معاملة الوالد التي تظهر فيها معالم الشدة والعنف والترهيب على كل صغيرة وكبيرة، و لعل من ذلك كان قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه " .
( الدعاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس