هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك close
عبدالرحمن
راجي عفو ربه
power_settings_new قم بتسجيل الدخول للرد
مجموعة كثيرة من خطب الجمعة جاهزة - أطبع وأخطب
keyboard_arrow_downkeyboard_arrow_up
2 مشترك
person
خطبة جمعة بعناون: أخلاقيات التعامل 

***** الخطبة الأولى *****
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، قال الله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)
أيها المؤمنون: إن المسلم سهل هين لين قريب من الناس، يألفهم ويألفونه، يحبهم ويحبونه، ومن سعى في تحصيل تلك الصفات حرمه الله عز وجل على النار، قال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: على كل هين، لين، قريب من الناس، سهل. ومن حُرم حب الناس والتعايش معهم فقد حُرم الخير، قال صلى الله عليه وسلم :« المؤمن يألف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» ومن أراد التعايش مع الناس فعليه أن يبذل الخير لهم، ويصبر على قصورهم، ويحفظ لسانه عن عيوبهم، ويتغاضى عن زلاتهم، فلا يقدح ولا يعيب، ولا يسب ولا يلعن، فالمؤمن عفيف اللسان، طاهر القلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء»
عباد الله: لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حقيقة الإيمان فسره بحسن التعامل مع الخلق، فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال:« طيب الكلام، وإطعام الطعام» قلت: ما الإيمان؟ قال:« الصبر والسماحة» قلت: أى الإسلام أفضل؟ قال:« من سلم المسلمون من لسانه ويده» قلت: أى الإيمان أفضل؟ قال :« خلق حسن» قلت: أى الهجرة أفضل؟ قال:« أن تهجر ما كره ربك عز وجل» فانظروا يا عباد الله إلى الإسلام في أعلى مراتبه، وإلى الإيمان في أبهى صوره، كيف استقرت فيمن أصلح علاقاته مع الله تعالى، وأحسن إلى الناس، فاحرصوا على الود في خطابكم مع الناس، فاختاروا من الكلام ألطفه، ومن القول أعذبه، قال الله تعالى وقولوا للناس حسنا) أي: كلموهم طيبا، ولينوا لهم جانبا.
ومن طلب كمال الإيمان فعليه أن يحب الخير للناس، ويحب لهم ما يحب لنفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»
أيها المؤمنون: إن المسلم إذا تعامل مع الناس فمنطقه الحكمة، وإذا نصح فسبيله الموعظة، وتلك وصية الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قال سبحانه وتعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)
والإسلام يأمر ببناء الإنسان، وعمارة الأوطان، وينهى عن التقاتل والتدابر، ولا ينهض بناء ولا يقوم أساس إذا اختلفت القلوب وساءت الظنون، قال صلى الله عليه وسلم:« إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث»
والتعامل مع الناس يقتضي إنصافهم إذا عدلوا، والثناء عليهم إذا أحسنوا، قال تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) وقد علمنا ديننا الحنيف في خطابنا مع من يخالفنا في الرأي أن نقدر له رأيه، ونحفظ له حقه، قال تعالى ولا تبخسوا الناس أشياءهم)
فاللهم امنن علينا بحسن الإيمان، وحقق لنا ما ترضاه من جميل الأخلاق والإحسان، وارزقنا أعمالا زكية ترضى به عنا، ووفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


***** الخطبة الثانية *****
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن هذه هي مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف الذي جاء به رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، حيث قال الله سبحانه وتعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فكان صلى الله عليه وسلم رحمة في نفسه، وفي أخلاقه، وفي تعامله مع جميع الخلق، من آمن به ومن خالفه، ولما قيل له : يا رسول الله ادع على المشركين. قال :« إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة» أي إنما بعثت لأقرب الناس إلى الله وإلى رحمته، وما بعثت لأبعدهم عنها. وهكذا ينبغي أن يكون المسلم رحيما بالخلق، محبا لهم، ساعيا في قضاء حوائجهم، ينشر الخير والمودة والألفة في مجتمعه، ويعمل على رفعة وطنه وعزته.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالىإن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» وقال صلى الله عليه وسلم :« لا يرد القضاء إلا الدعاء».

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)

 مجموعة كثيرة من خطب الجمعة جاهزة  - أطبع وأخطب Icon4122


عدل سابقا من قبل طالب عفو ربه في السبت 14 مايو 2022, 9:07 pm عدل 7 مرات
person
خطبة جمعة بعنوان: إغتنام الوقت

***** الخطبة الأولى *****
الحمد لله الواحد الأحد، مجري الليل والنهار، سبحانه هو العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، دعا إلى اغتنام الأوقات في فعل الخيرات، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
أيها المسلمون: الوقت هو عمر الإنسان وحياته، وهو من أعظم نعم الله تعالى عليه، وقد ربط المولى عز وجل بينه وبين العمل، فقال سبحانه والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) يقول أحد العلماء: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم. لأنها الفيصل للإنسان في اغتنام الوقت، فمن أحسن إدارة وقته فقد فاز، ومن فرط فيه وقضاه في مضيعات الأوقات فقد فاته الخير الكثير، ولذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أن يستهل يومه بقوله:« الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد على روحي، وأذن لي بذكره».
فجميل بنا أن نبدأ يومنا بذكر الله تعالى ثم نشرع في أعمالنا، لأن الإذن بالذكر اغتنام للوقت في طاعته سبحانه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على ذكر أفضال الله تعالى على العبد ليل نهار فيقول:« من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد، ولك الشكر. فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته».
فاشكروا الله عز وجل على نعمة الوقت ونعمة الحياة ونعمة الإسلام، فإنها أغلى ما يمتلكه الإنسان، والسعيد من كان بالغداة شاكرا ذاكرا عاملا، مغتنما لوقته، وبالعشي راكعا ساجدا لربه، فإن الذكر غراس الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة». فالزمان أشرف من أن يضيع المرء منه لحظة، وما هذه الأيام إلا مزرعة للآخرة.
عباد الله: تمر الأيام وتمضي الأعوام، والإنسان بين مخافتين: أجل ماض لا يدري ما الله قاض فيه، وأجل باق لا يدري ما الله فاعل فيه، فليقدم الإنسان لنفسه، وليغتنم وقته سالكا كل الطرق التي تعينه على إدارة وقته وتحقيق أهدافه،
ولا يسوف فيضيع وقته وتتراكم عليه أعماله، وما أجمل أن ينظم وقته ويلتزم بمواعيده، فلا يهدر وقته، ووقت الآخرين، فإن نجح في ذلك كان من الفائزين، ولن يكون من النادمين، فإن الأجل إذا جاء فليس بعده من مستعتب، قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما من أحد يموت إلا ندم». قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال :«إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع». أي أقلع عن الذنب وتاب.
قال الحسن البصري رحمه الله: الدنيا ثلاثة أيام: أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدا فلعلك أن لا تدركه, فاليوم لك فاعمل فيه.
فاغتنام الوقت فيما ينفع المرء به نفسه وينفع الآخرين أمر مطلوب، وذلك بترتيب المهام والأعمال اليومية، وتقديم الأهم على المهم، فالعمر حجة له أو عليه يوم القيامة، وهو مسؤول عن عمره كيف قضاه، وعن شبابه فيم أبلاه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه».
فعلى المرء أن لا يدع الوقت يمر من غير تدبير ولا تقدير، وأن يتأمل فيما قدم لنفسه ولزوجته وأولاده ولوظيفته وآخرته، فيخصص لكل منها الوقت الذي يناسبه، فالموفق من وفقه الله لطاعته، والسعيد من اغتنم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بالطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها.
اللهم بارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا، ووفقنا جميعا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


***** الخطبة الثانية *****
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن الإسلام قد دعا إلى حسن اغتنام الوقت في كل مراحل الحياة، وأكد على ذلك في أهم فريضة وهي الصلاة، قال تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أي في أوقات معلومة محددة، وحسن اغتنام الوقت في مرحلة الشباب أقدر على النفع والإفادة، فهي أخصب مراحل العمر، وأجدرها بحسن الاستفادة.
ولا يكون العمل إلا باحترام الوقت في بدايته ونهايته، والمحافظة على وقت الآخرين في الأعمال والاجتماعات واللقاءات والزيارات، فالوقت إن لم تستثمره في العمل والإنجازات العظيمة، مضى وتفلت منك.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالىإن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفقنا للاستفادة من أوقاتنا وبارك لنا فيها، واجعل التوفيق حليفنا. اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)


عدل سابقا من قبل طالب عفو ربه في الجمعة 30 مارس 2018, 12:46 pm عدل 1 مرات
person
خطبة جمعة بعنوان: القناعة
***** الخطبة الأولى *****
الحمد لله الكريم المنان، واسع الكرم والإحسان، أسبغ علينا الكثير من النعم، وجاد علينا بعظيم المنن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى فبشر عباد* الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)
أيها المسلمون: لقد خلق الله تعالى الإنسان وأكرمه وأعطاه، فمنهم الراضي القانع، ومنهم الجشع الطامع، قال تعالى فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن* وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن)
والموفق من رضي بقسمةِ الله تعالى وعطائه، ولم يتذمر أو يتسخط
فالقناعة هي الرضا بالموجود، وترك الحزن على المفقود. ولها ثمرات عظيمة في حياة الإنسان، فهي عزة في النفس لا تشترى، وسعادة لا تنقطع، ومال لا ينفد، وحياة هانئة آمنة، قال الله تبارك وتعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت. وقد ذكر المفسرون عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم: أنهم فسروا الحياة الطيبة بالقناعة.
ومن رُزق القناعة فقد أفلح، وكُللت مساعيه بالنجاح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه».
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قنوعا بما آتاه الله عز وجل يطلب الآخرة، ويرجو مرضاة ربه، ويدعوه قائلا:« اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا». 
عباد الله: إن النفس البشرية ميالة للزيادة، ومحبة للاستكثار، ويقول الشاعر:
والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا تُرَدُ إلى قليلٍ تقنع

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهذب سلوك أصحابه بما يجنبهم شدة التطلع للزيادة، ويحقق لهم القناعة والسعادة، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال يا حكيم: إن لهذا المال( خـُضرة )حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى. فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا.
وقد تلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التوجيه بصدق ويقين، فكانوا يربون أولادهم على القناعة وعدم التطلع إلى ما في أيدي الناس، فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول لابنه: يا بني إنك لن تلقى أحدا هو أنصح لك مني ... إياك والطمع، فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس فإنه الغنى.(ويقصد باليأس القناعة) .
أيها المسلمون: لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطرق والوسائل التي ترشدنا إلى القناعة والرضا، وأساس ذلك أن يوقن الإنسان بأن الرزق والنعم من الله تعالى، قال سبحانه وما بكم من نعمة فمن الله)
وعلى المسلم أن يتأمل نعم الله عليه، ولا يقارن بينه وبين الناس، وإذا قارن فلينظر إلى من هو أقل منه كي يستحضر نعمة الله عليه ولا يزدريها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».
ومن رزق القناعة أبصر نعم الله عليه فشكرها، ومن لم يقنع جحد ولم يشكر
فاللهم ارزقنا القناعة في أمورنا، وهب لنا الرضا بما أعطيتنا، ووفقنا جميعا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .



***** الخطبة الثانية *****
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن من حُرم القناعة فقد قل يقينه بربه واتبع هواه.
وكان أحد الصالحين يقول: من أكثر نعم الله على عباده وأعظمها شأنا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضـاء، والثقة بالله تعالى.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالىإن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» وقال صلى الله عليه وسلم :« لا يرد القضاء إلا الدعاء».

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم إنا نسألك القناعة بما رزقتنا ووهبتنا . اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ,وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع من له حق علينا يارب العالمين.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)


عدل سابقا من قبل طالب عفو ربه في الجمعة 30 مارس 2018, 12:47 pm عدل 1 مرات
person
خطبة جمعة بعنوان: الصبر

***** الخطبة الأولى *****
الحمد لله رب العالمين، وعد الصابرين أن يوفيهم أجرهم بغير حساب، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) وقال سبحانه فبشر عباد* الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾

أيها المؤمنون: خلق الله تعالى الإنسان، وقد يبتليه في هذه الدنيا، قال عز وجل إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) فأمره ونهاه، ووعده بالجنة إن أطاع، وحذره من النار إن عصى، وجعل الطريق إلى الجنة محفوفا بالمكاره، والطريق إلى النار محفوفا بالشهوات، ولا يقوى الإنسان على ما تكره نفسه إلا بالصبر، ولا يصبر إلا إذا امتلأ قلبه بحب الله عز وجل، ومن صبر نال المراد وبلغ المنزلة، قال تعالى والله يحب الصابرين)

والصبر هو منع النفس من الجزع، وكفها عن الشكوى من ألم البلوى، وقيل هو : الوقوف على البلاء بحسن الأدب، وسمي الصبر صبرا لأن مرارته على النفس تشبه مرارة دواء الصبر المعروف، والصبر خلق رفيع، وقد جعل الله سبحانه الصبر حصنا لا يهدم، وملاذا لا يثلم, وأمر الله تعالى به عباده، فالصبر هو العطاء الذي لا ينتهي ثوابه، قال تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وقد كتب الله عز وجل الخير للصابرين، فقال سبحانه وتعالى وأن تصبروا خير لكم) وقال سبحانه ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)
وهو خير عطاء يعطاه العبد في الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر»
أيها المسلمون: من اتخذ الصبر طريقا له بلغ منازل الآخرة، فهو كما قال صلى الله عليه وسلم :« والصبر ضياء» وللصبر أنواع، فصبر عن المعاصي، وصبر على الطاعة، وصبر عند الشدائد، وقد قال الله تعالى آمرا بالصبر على الطاعات يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) والصلاة فريضة متكررة تحتاج إلى صبر وجهد, قال تعالى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)

وقد قيل : الصبر عن معصية الله أهون من الصبر على عذاب الله. فطوبى لمن اجتهد فيما أمره الله تعالى، واجتنب ما نهاه عنه، وآثر الآخرة على الدنيا، ونهى النفس عن الهوى، وأمسك عن الشهوات، وقهر النفس بترك الزلات والسيئات، فيكون متصفا بالصبر عن معاصي الله تعالى.

عباد الله: وأما الصبر على البلاء والابتلاء، فالسعيد من اغتنم الحكمة من الابتلاء فصبر، قال تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) وليس ذلك إلا لمن آمن بربه، ورضي بما قدر له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» ولذا كان الجزاء لمن صبر على ما أصابه المغفرة من الله والرحمة، قال تعالى الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)
فاللهم ارزقنا الصبر وجملنا به، ووفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم




***** الخطبة الثانية *****
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، قال الله تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة . فهذه الأخلاق العالية التي أشارت إليها الآية الكريمة تحتاج إلى صبر، لأنه سبب للنجاح والخير في شتى مجالات الحياة، فهو يحول بين الإنسان وبين الغضب، وبه يستطيع أن يسيطر على تصرفاته وتعامله مع من حوله، وهو مطلب ضروري للحياة يجمل بنا أن نتحلى به، فبدونه يحل الغضب والانفعال، وقد قال رجل للنبى صلى الله عليه وسلم : أوصني . قال:«لا تغضب ». فردد مرارا ، قال :« لا تغضب ».
فهناك علاقة قوية بين عدم الغضب والصبر، فالصبر يؤدي إلى الأخلاق العالية، والمعاملة الراقية، ومن لزم الصبر في حياته أجر، وأحسن إلى آخرته، قال تعالى سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالىإن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» وقال صلى الله عليه وسلم :« لا يرد القضاء إلا الدعاء ».

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)


عدل سابقا من قبل طالب عفو ربه في الجمعة 30 مارس 2018, 12:48 pm عدل 1 مرات
person
خطبة جمعة بعنوان: الحياء

***** الخطبة الأولى *****
الحمد لله الكريم الرزاق، الذي جعل الحياء من أعظم الأخلاق، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أشرف الخلق وخير العباد، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أهل الحياء والرشاد، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم التناد.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: إن الناس متنوعون في تزودهم من مكارم الأخلاق، فهذا متميز في الكرم، وذاك في الحلم، وآخر في الشجاعة أو الوفاء، وكلها أخلاق يحبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا أن أرسخ أخلاق الإسلام، وأرجاها في القرب من الإيمان خلق الحياء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن لكل دين خَلقا، وخُلُق الإسلام الحياء». والحياء من خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها.
وقد حثنا الإسلام على التزام الحياء في نصوص متعددة، وبأساليب متنوعة، ومن ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الحياء شعبة من الإيمان، فقال :« الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.
وقال الشاعر:
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
والحياء طريق المرء إلى الطاعات وسبب لجني الخيرات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« الحياء لا يأتى إلا بخير». ومن تحلى بالحياء ارتقى في الإيمان وزاد في الإحسان، وسلك طرق الجنان، ومن تخلى عن الحياء فقد أساء وظلم، وناله الخسران والندم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء فى النار».
لأن كلا منهما يدعو إلى الخير، ويصرف الشر ويبعده، فالإيمان يحث المؤمن على فعل الطاعات، والحياء يمنع صاحبه من المعاصي والزلات ، قال صلى الله عليه وسلم :« إن الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر».


عباد الله: وأفضل الحياء ما كان من الله تعالى، فإن الله عز وجل حيى يحب أهل الحياء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الله عز وجل حيى ستير، يحب الحياء والستر»
ويتحقق الحياء من الله تعالى بحفظ الجوارح عما نهى عنه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« استحيوا من الله حق الحياء». قلنا: يا رسول الله إنا لنستحيى والحمد لله. قال:« ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».
ومن لم يكن له حياء يحجزه عن محارم الله تعالى سهل عليه الوقوع في المعصية، قال النبى صلى الله عليه وسلم :« إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت».
فالحياء حصانة للمسلمة، وحصن للمسلم من المعاصي، فمن استحيا من الله عز وجل غض بصره، وحفظ جوارحه، وعف لسانه، وطهر قلبه، وارتقت أخلاقه، وسما تعامله مع الناس.
فاللهم ارزقنا التقوى، وجملنا بالحياء، ووفقنا جميعا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


***** الخطبة الثانية *****
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن الحياء من أجمع شعب الإيمان، فإذا تحلى الإنسان بالحياء من الله تعالى الذي يراه ويسمعه ويعلم ما يكنه حرص على فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات، وإذا استحيا من الناس لم يواجههم بما يكرهون، وإذا استحيا من نفسه حاسبها على ما يصدر منها من الأقوال والأفعال، فإن فعل ذلك فهو نقي المعدن، زكي النفس، حي الضمير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما كان الحياء في شيء إلا زانه، ولا كان الفحش في شيء إلا شانه».
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالىإن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» 
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم ارزقنا الحياء في كل حال، واهدنا لصالح الأخلاق والأعمال، واجعلنا من الذين يخشونك في السر والعلانية يا كبير يا متعال، يا علام الغيوب.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا يارب العالمين.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)


عدل سابقا من قبل طالب عفو ربه في الجمعة 30 مارس 2018, 12:49 pm عدل 1 مرات
person
خطبة جمعة بعنوان: تربية الأولاد في الإسلام


إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله ، إن من أعظم النِّعم التي ينعم الله بها على عِباده نعمة الأبناء، فهم - إذا صلحوا - عملٌ صالح يستمر للأبوين حتى بعد موتهما، فقد قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلَّا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يَدعو له) [1] أخرجه مسلم (1631).
، ومع صلاحهم ينال الأبوان برَّهم، وطاعتهم، ونفعهم، وهكذا تكون نِعمة الأولاد تعود على الأبوين بالخير في الدنيا والآخرة، وهم زينة الحياة الدنيا: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، والأولاد المقصود بهم الأبناء والبنات، والخير في البنات في الشريعة الإسلامية جاء التأكيد عليه؛ لما كان من كراهية أهل الجاهلية للبنات.
والأولاد مع ما فيهم من فضل وخير، ومع كونهم نِعمة، فهم أمانة يجب تأديتها كما يحبُّ الله جل في علاه، وهو القائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58]، بل إن ذلك من أعظم الأمانات التي تجب على الإنسان، وخيانتها من أعظم الخيانات: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]، هي والله أمانة؛ لأن الأمر من الملك الجبار جاء بوجوب وقاية الأولاد من النار، وأن يبعدهم المسؤول عنهم عن كلِّ طريق يوصل إلى جهنم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]؛ "أي: فقِّهوهم، وأدِّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم.
وجاء البيان من رسول ربِّ العالمين بأنَّ المرء يُسأل عن رعيَّته يوم الدين، فبأي شيء يجيب مَن ضيَّع أولاده؟ وبماذا سينطق مَن خان الأمانة؟ يقول عليه الصلاة والسلام: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته...، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زَوجها ومسؤولة عن رعيَّتها) أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).، فتربية الأولاد ورعايتهم مسؤوليَّة قد يتسبَّب إهمالها وعدم حفظها في مَصير مؤلم ينتظر الوالدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن عبد يَسترعيه الله رعيَّةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته، إلا حرَّم الله عليه الجنَّة) أخرجه البخاري (7151)، ومسلم (142)
فدَور الأبوين مهم جدًّا في تحديد مَسار الأولاد، وكما أنَّهما سبب في صلاحه، فهما سبب رئيس في فساده، وذلك يكون بإهمال مراقبتهم وتفقّد أحوالهم وتيسير سبل التّواصل معهم كي يتعوّدوا على البوح بأسرارهم وإطلاع الوالديْن على ما يختلج في صدورهم.
عباد اهم ، إننا لعِلمنا بالمسؤوليَّة الكبيرة الملقاة على عاتقنا من تربية أولادنا وإنشائهم نشأة صالحة لا بدَّ من اتباع خطوات مهمَّة نصَّ عليها القرآن، وتكلَّم بها الرسول الكريم، ومضى عليها في حياته، وفعلها الأنبياء والصالحون.
من هذه الخطوات: الدعاء للأولاد بالصَّلاح والهداية والخير، فها هو الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو فيقول: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وقال أيضًا: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، ورفع أكف الضَّراعة إلى ربه قائلًا: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128]، وها هم عباد الرَّحمن يدْعون بأن يهب الله لهم ما تقر به أعينهم من الذريَّة الصالحة: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، وزكريا عليه السلام لا يطلب الذرية فقط؛ بل يطلبها مع كونها طيِّبة صالحة: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، ودعاء الوالد لولده من الدعاء المستجاب الذي يُرجى أن يتحقَّق بإذن الله عز وجل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شكَّ فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر) أخرجه أحمد (9840) بلفظه، وأبو داود (1536)
والله تعالى الذي خلق الوالدَ وجعل فيه الرحمة على ولده، وحبه لفلاح ولده ونجاحه في الدنيا والآخرة، وشفقته عليه من كل ما يؤذيه - جعل دعوته مستجابةً لولده، والوالدةُ رحمتُها وشفقتها أكبر؛ فهي داخلة في استجابة الدعاء من باب أولى.
ففي روايات أخرى: ((... ودعوة الوالد على ولده) أخرجه الترمذي (1905)، وأحمد (8375)؛ لذلك نَهى النبي صلى الله عليه وسلم صراحة عن الدعاء على الأولاد، فقال: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تَدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم) أخرجه مسلم (3014).
ويوجِّه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه إلى الدعاء للذريَّة قبل أن تولد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنَّ أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهمَّ جنِّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رَزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولَد في ذلك، لم يضره شيطان أبدًا) أخرجه البخاري (141)، ومسلم (1434) ، وكان يدعو للصبية؛ كما ذكرت ذلك عائشةُ رضي الله عنها إذ قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرِّك عليهم، ويحنِّكهم، وكم حصل من الخير للأولاد الذين فقه آباؤهم وأمَّهاتهم هذا الأمر العجيب الذي هو الدعاء، فكان ذلك سببًا في صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم.


ومن الخطوات التي يحرص عليها في تربية الأولاد: رَحمتهم، وإبداء العطف والحنان تجاههم، وهذا من أهمِّ الأمور التي يحتاجها الأولاد، فعن أبي بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخطبنا، إذ جاء الحسن والحسين عليهما قَميصان أحمران يَمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: ((صدَق الله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15]، فنظرتُ إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبِر حتى قطعتُ حديثي ورفعتهما) أخرجه الترمذي (3774)
ويوجز في الصلاة ويختصر رحمةً بصبيٍّ سمعه يبكي، فأوجز لانشغال أمِّه به، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنِّي لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاءَ الصَّبي؛ فأتجوَّز في صلاتي مما أعلم من شدَّة وَجْدِ أمِّه من بكائه) أخرجه البخاري (709).
عباد اهمّ، إنّ الشفقة والرّأفة بالأبناء لا تعني أبدا أن نوافق هواهم في كل ما يطلبون، فكم من أب أو أمّ اشتريا لابنهما هاتفا جوّالا من أعلى طراز وفي ظنّهما أنّهما أحسنا صنعا في ذلك، ولكنّهما قد فتحا له بابا من أبواب الضلال وضياع الأوقات وترك الدروس في المدراس والمعاهد، وغير ذلك من سبل الفساد والضياع، والحال أنّه كان يمكن للوالديْن تمكين ولدهما من هاتف زهيد الثمن ولكنّه لا يحتوي على مواصفات قد تؤذيه أو قد تطلعه على عالم من عوالم الفساد.
ولا يخفى عليكم عباد اهأذ ما يعيشه عدد كبير من أبنائنا من تشتّت ذهنيّ واتّباع للأهواء والألعاب الإلكترونيّة الخطيرة التي قد تكون سببا في إيذاء الطفل لنفسه أو حتّى في انتحاره كما حدث هنا وهناك، ولا شكّ أنّ أهمّ سبيل من سبل تحصين الأبناء ضدّ موجة الإغواء والإضلال التي يعيشون يتمثّل في توعيتهم وتشجيعهم على إقام الصّلاة في وقتها وحثّهم على حفظ القرآن والعمل به، فالها سبحانه يذكّنا بأنّ خلقنا كان لحكمة جليلة ينبغي الوعي بها، ألم يقل سبحانه:
(أفحسبتم أنّا خلقناكم عبثا وأنّكم إلينا لا ترجعون؟)
نسأل اهمّ السميع البصير لأبنائنا السّلامة من كل سوء، كما نسأله سبحانه لهم الهداية والتشبّث بالدّين إنّه سميع قريب مجيب ولا حول ولا قوّة إلا باله العليّ العظيم.


عدل سابقا من قبل طالب عفو ربه في الجمعة 30 مارس 2018, 12:50 pm عدل 1 مرات
person
خطبة جمعة بعنوان ( رعاية المسنين ) 
عبدالله بن فهد الواكد إمام وخطيب جامع الواكد بحائل 


الْخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ أحمَدُهُ عددَ ما أصبَحَناَ وأمساناَ ، وأرشدَناَ وهدَاناَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه ، الذي أضحَكَناَ وأبكاناَ ، وأماتَناَ وأحياناَ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، صَلى الله وسَلِّمْ عليه وبَاركَ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ الغُرِّ المَيامِينِ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القائلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) 
أيُّها المسلمونَ : سنتكلَّمُ اليومَ عنْ رحمةِ المسنينَ ، عن بِرِّ الآباءِ والأمهاتِ والعطفِ على الكبارِ الضعيفين ، عن رحمةِ هؤلاءِ الضعفةِ ، الذينَ اشتعلَ فيهِمُ المشيبَ ، وطوتهم أيامُ العمرِ ، الذينَ تقاربَتْ خُطَاهُم ، ودنَتْ أبصارُهُمْ ، ورافقَهُمُ العَصى ، وآختْهُمُ العلةُ والدواءُ ، أيها المسلمُ الموفقُ : إذا وفقَّكَ اللهُ لبِرِّهِمْ ، والإحسانِ إليهِمْ ، فأبشرْ ، فثَمَّ أمرُ اللهِ سبحانَهُ وتعالى القائلِ ( وقضى ربُّكَ ألاّ تعبدوا إلاّ إيَّاهُ وبالوالدينِ إحساناً إمّا يبلغنَّ عندَكَ الكبرَ أحدُهُما أو كلاهُما فلا تقلْ لهُما أُفٍّ ولا تنهرهُما وقلْ لهما قولاً كريماً * واخفضْ لهما جناحَ الذلِّ من الرحمةِ وقلْ ربِّ ارحمهُماَ كماَ ربَّياَني صغيراً ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ فِي بِرِّ أَبِيهِ : لاَ تَمْشِ أَمَامَ أَبِيكَ ، وَلاَ تَجْلِسْ قَبْلَهُ ، وَلاَ تَدَعُوهُ بِاسْمِهِ - بلْ تنادِيهِ بأحبِّ الأسماءِ إليهِ 
وأعلمْ أيها المسلمُ المباركُ : أنَّ رضَا الوالدينِ سببٌ لرضَا اللهِ عزَّ وجلَّ وسخطِهِما سببٌ لسخَطِهِ فقدْ قالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ ( رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ )
أيها المسلمُ الوفيُّ ، أيها الشابُ التقيُّ : أبويكَ ، أمَّك وأباكَ ، بِرُّهُما وأحسنْ إليهِماَ ، قلْ ربِّ ارحمْ هذينِ الأبوينِ الكريمينِ ، كما تَعِبا في تربيَتِي ، قلْ ربِّ ارحمْهُما كماَ سهِراَ لأنامَ ، وجاعاَ لأشبعَ ، وضمئاَ لأروى ، فكمْ بذلوا الجهودَ المضنيةَ ليروا البسمةَ على وجوهِكُم ، ويمسحوا الدمعةَ من عيونِكُم ، كَمْ قَلِقُوا في مرضِكُم وفي سفرِكُم ، كم دَعَوْا لكم في ظهرِ الغيبِ ، كم شَقَوْا لتسعدونَ ، وكم حزنوا لتفرحونَ فـ (هل جزاءُ الإحسانِ إلاّ الإحسانُ ) 
كلمتُكَ الرقيقةُ ، شكرُكَ وثناؤُكَ وتقديرُكَ واعتزازُكَ بما قدَّماهُ هذانِ الأبوانِ بِرُّ ورحمةٌ ، تصرُّفُكَ الحاني وحنوُّكَ الداني ، معَ هذينِ الوالدينِ شفقةٌ ورحمةٌ ، دعاؤُكَ لهما بالخيرِ وطولِ العُمُرِ والعافيةِ دليلٌ على وفائِكَ ، إستشارتُهُما والأخذُ بنصائِحِهِما وطلبُ رضاهُما دليلٌ على تيمُّنِكَ وتواضُعِكَ ، الإنفاقُ عليهِمَا وإهداءُ ما جادتْ به نفسُكَ ويدُكَ من خيرٍ دليلٌ على كريمِ خصالِكَ ، وطيبِ معدَنِكَ ،
أيها المسلمونَ : حالُ المسنينَ في الغربِ والدُّولِ الكافرةِ التي تدَّعي التقدمَ والرقيَّ ، تؤكدُ أنَّنَا في نعمةٍ عظيمةٍ ، لأ نَّهُم يُحالُونَ إلى دُورِ العجزَةِ والمسنينَ أمَّا في بلادِناَ ومجتمعاتِنَا فإنَّ المسنينَ يتحوَّلُونَ بينَنَا وفي بيوتِنَا إلى شموعٍ مضيئةٍ ، وقناديلَ مؤنسةٍ ، تزدادُ البيوتُ بهِمْ بهجةً وسروراً ، يشعرُ الأطفالُ والصغارُ بعمقِ اللحمةِ ، وعظيمِ المودةِ والرحمةِ ، فهُمْ أُنسٌ وبهجةٌ لنا جميعاً للكبارِ والصغارِ ، 
أيها المسلمونَ : الإحسانُ فِي الإسلامِ قَدْ شَمَلَ الوالدينِ وكبارَ السنِّ جميعاً ، فالرجلُ المُسِنُّ والشيخُ الكبيرُ والمرأةُ العجوزُ أناسٌ صاغَتْهُمُ التجاربُ وعركتْهُمُ الحياةُ وصقلتهُمُ معاناةُ الدهرِ ومكابدةُ الأيامِ ، فصاروا ينطقونَ بالحكمةِ ويتكلمونَ بالموعظةِ ، فاستفدْ منهُمْ ، ولقدْ حثَّ الاسلامُ على رعايةِ المسنينَ واحترامِهِم ، فإذا رأيتَ شيخاً كبيراً أو رجلاً مسنّاً ، فاحملْ إليهِ رسالةَ المجتمعِ المتراحمِ ، إجعلْ لهُ في قلبِكَ من المودةِ وفي تصرفِكَ من التقديرِ ، ما يجعلُهُ يحمدُ اللهَ ويشعرُ أنهُ في رعايةِ خيرٍ تحمِلُهُ وتسدُّ ضعفَهُ وترتُقُ شيبتَهُ إفسحْ لهُ الطريقَ وافسحْ لهُ المجلسَ ، قُمْ من مكانِكَ ليجلسَ فيهِ ويستريحَ ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا )
إذا رأيتَهُ مهموماً مغموماً فاجلسْ إليهِ وحادِثْهُ ولاطِفْهُ حتَّى يزولَ ما بِهِ من غَمٍّ ، إذا رأيتَهُ وحيداً يستشعرُ الوحشةَ فاطردْ عنهُ أشباحَهاَ بالزيارةِ والتفقُّدِ وقضاءِ الحاجةِ والإحسانِ ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ وابتسامةٍ مشفقةٍ مورقةٍ ، رحمتُكَ أيها المسلمُ بهؤلاءِ المسنينَ إنَّما هي شكرٌ لِماَ أنعمَ اللهُ عليكَ من شبابٍ وفتوةٍ ، وادخارٌ واستذخارٌ ، لرحمةٍ تحتاجُهاَ في مُقبلِ أيامِكَ ، فكما تدينُ تُدانُ أيُّها الشبابُ : وعدَ رسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ الشابَّ الذِي يُكرمُ المسنينَ ، بأنَّ اللهَ تعالَى سيسخِّرُ لَهُ مَنْ يكرِمُهُ فِي كبرِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم ( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )
وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْرِمُ كبارَ السنِّ ويَعرفُ قدرَهُمْ ، وقدْ بشَّرَ صلى الله عليه وسلم مَنْ يوقِّرُ الكبيرَ بمرافقتِهِ فِي الجنةِ ، فعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ ( يَا أَنَسُ وَقِّرِ الْكَبِيرَ وَارْحَمِ الصَّغِيرَ تُرَافِقُنِي فِي الْجَنَّةِ )
اللهمَّ أعنَّا علَى برِّ الوالدينِ والإحسانِ إليهِم، واجعلْنَا ممنْ يوقرُ كبارَ السنِّ ويقومُ علَى رعايتِهِمْ وخدمتِهِمْ 
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.


الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ نبيَّناَ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى الله عليه وسلِّمْ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ أيها المسلمون : فإنَّ كبارَ السنِّ همُ الصلَةُ بيْنَ الماضِي والحاضِرِ، نعتزُّ ونفاخِرُ بهِم ، نسأل الله أن يوفقنا لرعايةِ المسنينَ والاعتناءِ بِهِمْ ، وردِّ الجميلِ إليهِمْ ، ورَفْعِ قدْرِهِمْ ، فاحترامُ الكبيرِ وتوقيرُهُ ومساعدتُهُ خلقٌ عظيمٌ ومظهرٌ كريمٌ وبابٌ مِنْ أبوابِ الخيرِ، 
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه القائلِ ( إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ) 
person
خطبة جمعة بعنوان:فلذات الأكباد 


كتبها / عبدالله بن فهد الواكد إمام وخطيب جامع الواكد بحائل 




الخطبة الأولى


ما مِنْ أمةٍ علَتْ ، إلا ولَها شعارٌ ترفعُهُ ، ووسامٌ تفخرُ بهِ ، وسلمٌ ترتقي عليهِ ، وسواعدٌ تقومُ عليها ، تجالدُ بها أعداءَها وخصومَها ، هم شريحةٌ من أيِّ مجتمعٍ ، بل هُم عمادُهُ ، وهُم مجامِعُ قوتِهِ ، وهم زِنادُ سلاحِهِ ، بدونِهِم لا تقومُ لأُمةٍ قائمةٌ ، وبفقدانِهِم تبقى الأمةُ حبيسةَ التخلفِ والضعفِ ، قابعةً في مؤخرةِ الركبِ ، لابسةً أثوابِ الذلةِ والصَّغَارِ .. 
إنهُم أنتم أيها الشبابُ ، عمادُ أمتِنا ، وسلاحُ بلادِنا ، فأنتم تشكلُونَ سبعينَ بالمئةِ مِنْ سكانِ مملكتِنا الحبيبةِ حفظها اللهُ .


أنتم مَن تؤثرُونَ في الأمةِ سلبًا وإيجابًا ، أنتم مَن تدفعونَ عجلةَ التأريخِ نحوَ أملٍ مشرقٍ ، ومستقبلٍ زاهرٍ ، فالأمةُ لا تريدُ شباباً يدرُسُ لينجحَ فقط ، إنما تريدُ شباباً يدرُسُ ليتعلَّمَ ، ليعلمَ العلومَ ويُتقنَ الفنونَ قالَ تعالى ( قُلْ هلْ يستوي الذينَ يعلمونَ والذينَ لا يعلمونَ إنما يتذكرُ أولوا الألبابِ ) ولذلكَ يسعى الأعداءُ إلى إغراقِ الشبابِ ، في وحولِ المخدراتِ ، ومستنقعاتِ الشهواتِ ، ليحطموا رجاءَ الأمةِ وأملَها ، ويكسروا أعناقَ تطاولِها ، يوهنونَ عزائمَ شبابِها ، ليجُرُّوا أمتَهُم إلى الوراءِ جهلاً وحمقًا ، بالمفاهيمِ المنكوسةِ ، والسلوكِ الأرعنِ ، والمسلكِ الأهوجِ ، 
فيا فلذةَ كبدي ، كلماتٌ ألقيها في سمعِكَ ، دفعني إليها حُبُّ أمتي ، أمةِ الإسلامِ ، وحُبُّ بلادي وموطنِي ، وحبُّكَ أنتَ أيهاَ الشابُ وحبُّ الخيرِ لكَ ، 
يا ولدي : مَن الخليفةُ في الأمةِ ؟ إذا ذهبَ العلماءُ ، وذهبَ الفقهاءُ ، وذهبَ الدعاةُ ، وذهب الوزراءُ والمدراءُ ، وذهبَ المفكرونَ ، وذهبَ العاملونَ ، وذهبَ المصلحونَ ، وذهب الأباءُ والأمهاتُ ؟ إذا ذهبَ هؤلاءِ الرجالُ الذينَ مِن حولِكَ ، مَنْ سيسُدُّ مَسَدَّهُم ؟ ومن سيكملُ بناءَهُم ؟ فشمر إلى أماكنِهِم ، الأمةُ لا تريدُ كمَّا ، إنما تريدُ نوعاً ، ما حاجةُ الأمةِ بمئاتٍ من الشبابِ ، نجَحُوا بلا علمٍ ، شهاداتٌ خاويةُ الوفاضِ ، وما حاجةُ الأمةِ بشبابٍ تركوا الدراسةَ ، وعَطلوا عن العملِ ، وأشغلوا الناسَ باللفيفِ والصخبِ والإزعاجِ ، والتجولِ والتسكعِ والتفحيطِ .
مصعبُ بنُ عميرٍ رضيَ اللهُ عنهُ ، كانَ مثالاً للهمةِ وتحملِ الصعابِ ، أتدرونَ كم كانَ عمرُهُ ، يومَ أنْ بعثَهُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، إلى المدينةِ ، كانَ في مثلِ شبابِكُم ، كانَ عمُرُهُ ثمانيَ عشرةَ سنةً ، إختارَهُ من بينِ الصحابةِ جميعاً ، وفيهم مَنْ هو أكبرُ منهُ سناًّ ، ومَنْ هو أكثرُ منهُ جاهاً ، إختارَ هذا الشابَ الزكيَّ الذكيَّ ، ليكِلَ إليهِ أعظمَ القضايا ، وأخطرَ الخطى ، ليلقيَ بينَ يديهِ ، مصيرَ دارِ الهجرةِ ، ومستقبلَ الدعوةِ ، لم يكنْ في المدينةِ يومَ أنْ جاءَها مصعبُ ، غيرُ أولائكَ الإثني عشرَ مسلماً ، أهلُ بيعةِ العقبةِ ، وفي موسم الحجِّ التالي ، جاءَ سفيرُ الدعوةِ ، مصعبُ بنُ عميرٍ ، جاءَ رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ ، وقدْ أسلمَ أهلُ المدينةِ عنْ بكرةِ أبيهِم ، ساداتُهُم ورجالُهم وأبناؤُهم ونساؤُهم ، لم يكدْ يمضي على رحلتهِ الدعويةِ سوى بضعةِ أشهرٍ ، حتى جاءَ مصعبُ بنُ عميرٍ ، إلى مكةَ في الحَجِّ ، ومعَهُ سبعونَ رجلاً وامرأةً ، جاءوا مناديبَ عن قومِهِم ، لمبايعةِ رسولِ اللهِ صلىَّ اللهُ عليهِ وسلمَ 
، كم هوَ بَوْنٌ شاسعٌ ، ونجعةٌ متراميةُ الأطرافِ ، بيننا وبينَ هؤلاءِ العمالقةِ 
، أيها اليافعُ ، أيها المؤمَّلُ ، ذُبَّ عنْكَ هذا الركونَ ، واطرحْ عنكَ جلبابَ الكسلِ ، إليكَ عن رفقاءِ التثبيطِ والتكسيلِ ، فما أهلكَ المرءَ إلا مَنْ يُصاحِبُهُ ، الأمةُ أيها المسلمونَ : لا تسموا إلا بالعقولِ والسواعدِ ، والعقولُ لا تصلُ إلى مقاماتِ الدقائقِ من العلومِ ، والنوادرِ من المعارفِ ، بصاحبٍ كلٍّ كسولٍ ، القافلةُ إذا كانَ فيها جملٌ منقطعٌ تأخرت القافلةُ بأكمَلِها ، فلا تكن كَلاًّ على أمتِكَ ، وحملاً على مجتمعِكَ ، لا تصحبَنَّ إلا من يشمخُ بك العلياءَ ، أوما سمعتَ قولَ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ((المرءُ على دينِ خليلِهِ، فلينظرْ أحدُكُم مَنْ يُخالل)) وروى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي موسى رضي اللهُ عنهُ عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال (( إنما مثلُ الجليسِ الصالحِ، والجليسِ السوءِ كحاملِ المسكِ، ونافخِ الكيرِ، فحاملُ المسكِ، إما أنْ يحذيَكَ ، وإما أن تبتاعَ منهُ ، وإما أنْ تجدَ منهُ ريحًا طيبةً ، ونافخُ الكيرِ، إما أنْ يحرقَ ثيابَكَ ، وإما أنْ تجدَ منهُ ريحًا خبيثةً )).
أيها الأخُ المسلمُ ، وأيُّها الشابُ : صاحبُكَ ، الذي يقربُكَ لما يُرضي اللهَ ؟ ويعينُك على الصلاةِ .. ويبعدُكَ عن المعاصي والسيئاتِ ويحرصُ على نجاحِكَ وتفوقِكَ ، ويحثُكَ على الخيرِ ، وإنْ لم يكنْ كذلكَ فهوَ عدوُّكَ وليسَ صاحبَكَ قالَ اللهُ سبحانَه ( الأخلاءُ يومئذٍ بعضُهُم لبعضٍ عدوٌ إلا المتقين ) وقال تعالى ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّـ?لِمُ عَلَى? يَدَيْهِ يَقُولُ يا?لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا?وَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَـ?نُ لِلإِنْسَـ?نِ خَذُولاً )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم 




الثانية
أبو طالبٍ عمُّ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الذي آزرَهُ وساندَهُ ، حُرمَ الإيمانَ وجنةَ الرحمنِ بسببِ رفقةِ السوءِ والكفرِ .. فتصورْ حالَ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وهو فوقَ رأسِهِ يقولُ ((يا عم ، قل: لا إلهَ إلا اللهُ ، كلمةً أحاجُّ لكَ بها عندَ الله))، وشياطينُ الإنسِ يرددونَ : أترغبُ عن ملةِ عبدِ المطلبِ 
ألا يكفي ذلكَ أن يتذكرَ المسلمُ ، فيعودُ وينيبُ ، ويعلمُ قيمةَ الصحبةَ الصالحةَ التي تعينُهُ على خيريِ الدنيا والآخرةِ 
ألا وصلوا وسلموا على رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم
person
خطبة جمعة بعنوان: حقيقة المال 

كتبها / عبدالله فهد الواكد إمام وخطيب جامع الواكد بحائل 

الخطبة الأولى


أيها المسلمون : 


غريزةُ حبِّ المالِ ، وغريزةُ حبِّ التملكِ ، قدْ خلَقَها اللهُ سبحانَهُ وتعالى وأودَعَها في الإنسانِ لتدفَعَهُ إلى العملِ ، لتدفعَهُ إلى الجدِّ والاجتهادِ ، والسعيِ في مناكبِ الدنيا ، كي لا يكونَ عالةً على غيرِهِ ، لأنَّ البطالةَ مذمومةٌ في الإسلامِ روى البخاريُّ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم أنّه قال (( ما أكلَ أحدٌ طعامًا خيرٌ من أن يأكلَ من عملِ يده ))
فحبُّ المالِ فطرةٌ إنسانيةٌ ، وجبلةٌ بشريةٌ ، لم ينكرْها الإسلامُ ، ولم يغيرْها ، ولم ينبذْها ، بل أقرَّها وأكدَها من خلالِ قسمِ اللهِ سبحانه وتعالى بالعاديات ( إنَّ الإنسانَ لربِّهِ لكنود ، وإنَّهُ على ذلكَ لشهيد ، وإنهُ لحبِّ الخيرِ لشديد (، وقوله تعالى ( وتحبونَ المالَ حُبًّا جمًّا ) 
فالمَيلُ إلى جمعِ المالِ وتحصيلِهِ ، فطرةٌ إنسانيةٌ ، وجبلةٌ بشريةٌ ، ولكنَّ هذهِ الفطرةَ لو تُركتْ بدونِ تهذيبٍ وترتيبٍ ، لانحرفتْ بالإنسانِ في مهالكِ الجَمْعِ والإنفاقِ ، والإنسانُ إذا انحرفَ عن شرعِ اللهِ في تحصيلِ المالِ وإنمائِهِ وإنفاقِهِ وصرفِهِ وتوجيهِهِ واتبعَ هواهُ وأخلدَ إلى غريزتِهِ ، دمَّرَ نفسَهُ ودمَّرَ الآخرينَ ، وأَفسدَ دنياهُ ، وخَسرَ آخرتَهُ ، فتراهُ ينهبُ أثباجَ الجَمْعِ دونَ تورُّعٍ ، فيجمعُ المالَ من حلهِ وحرمتِهِ ، يأكلُ مالَ هذا ، ويظلمُ ذلكَ ، ويستغلُ حاجةَ ذاكَ ، ويسلكُ طرقَ الربا ، وينتهجُ الإبتزازَ ، وينهبُ ويكذبُ ويحتالُ ، ساعةً بالغشِّ وساعةً بالرشوةِ وساعةً بالسؤالِ ، همُّهُ الجمعُ والتكديسُ ، ثمَّ إذا تجافى الإنسانُ عن الشريعةِ في الإنفاقِ ، ألفيتُهُ يشطُّ شططاً عجيباً ، إما أن يُسرفَ ويبذرَ ، حتى تحيقَ بهِ الديونُ وترهقُهُ الإلتزاماتُ ، وإمَّا أنْ يشحَّ ويبخلَ على نفسِهِ وعيالِهِ وأسرتِهِ ، فربما كانَ مِنْ أغنى الناسِ ، والفقراءُ والمساكينُ ، يلبسونَ أحسنَ مِن ثوبِهِ ، ويركبونَ أفضلَ من سيارتِهِ ، ويأكلونَ أزكى من طعامِهِ ، بلْ ربما استعانَ بهذا المالِ على معصيةِ اللهِ ، فيُشيعُ بهِ المنكراتِ ، ويُنمِّيهِ في الموبقاتِ ، ويستثمرُهُ في المحرماتِ ، أو يجعلُهُ عونا على الفسادِ والإفسادِ وهدمِ مقوماتِ البلادِ وترويعِ العبادِ ، فيُجريهِ على جهاتٍ مشبوهةٍ ، فكيفَ يرضى المسلمُ أنْ يكونَ مالُهُ سبباً في سفكِ دماءٍ وقتلِ أبرياءٍ ، واللهُ عزَّ وجلَّ قالَ ( وتعاونوا على البِرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعدوان ) 
أيها المسلمون : وإنَّ منَ العجبِ العجابِ ، أنْ تجدَ أسبابَ الرزقِ الطيبةَ ، وسبلَ الإنفاقِ المحمودةَ ، أنْ تجدَ أبوابَها مشرعةٌ ، وطُرقَها مترعةً ، ومناكبَهَا جليةً ، جلاءَ الشمسِ في هامةِ النهارِ ، فيوقعُ الشيطانُ صاحبَ المالِ في المواطنِ المشبوهةِ ، والإستثماراتِ المحرمةِ ، التي تعبثُ بسلوكِ الفردِ والمجتمعِ ، وتقومُ على هدمِ الحياءِ ، وقتلِ الفضيلةِ ، وإشاعةِ الفاحشةِ .
أيها المسلمون : إذا عرفَ الإنسانُ كيفَ يجمعُ المالَ مِنْ حِلِّهِ ، وكيفَ ينميهِ ويزكيهِ في مَحَلِّهِ ، وكيفَ يُنفقُهُ فيما يُرضي ربَّهُ ، حصلَ على السُّمعةِ الطيبةِ والمكانةِ الفاضلةِ في الدنيا ، والمقامِ الكريمِ في الآخرةِ ، أما إذا كانَ الإنسانُ لحوحاً ، شرهاً في طلبِ المالِ ، حتى يُضيعَ الآخرةَ بسببِ الدنيا ، ولن يحصُلَ الإنسانُ إلا على ما قسمَهُ اللهُ لهُ ، فغريزةُ حُبِّ المالِ إذا لم تُهذبْ تجعلُ الإنسانَ مضطرباً في حالتي الفقرِ والغنى ، يقولُ تعالى (إنَّ الإنسانَ خُلق هلوعا إذا مسهُ الشرُّ جزوعاً وإذا مسهُ الخيرُ منوعا إلا المصلين ) وإذا اغتنى أصابَهُ الغرورُ والطغيانُ ، يقول تعالى (كلا إن الإنسانَ ليطغى أن رآهُ استغنى) ، فجاءتْ رسالةُ الإسلامِ لتحفظَ على الإنسانِ توازنَهُ ، وترفعَ عن بصرِهِ وبصيرتِهِ غشاوةَ الفتنةِ بالمالِ إذا اغتنى ، وتبعدَ عنهُ الندمَ والأسى واليأسَ والقنوطَ إذا افتقرَ ، 
فالمالُ ملكٌ للهِ ، ويدُ البشرِ على المالِ يدُ استخلافٍ وتفويضٍ ، ويدُ انتفاعٍ وليست يدَ تملكٍ يقولُ تعالى ( آمنوا باللهِ ورسولِهِ وأنفقوا مما جعلكم مستخلفينَ فيه) ، فلو كانت يدَ تمَلُّكٍ لما حوسبَ على مالهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ . فالإنسانُ لا يملكُ شيئاً لنفسِهِ ، ولكنها أموالٌ تُجردُ عليه يومَ القيامةِ ،
والمالُ أيها المسلمونَ : وسيلةٌ في الحياةِ الدنيا وليسَ غايةً ، فهو سبيلٌ وليسَ هدفاً ، والمقصودُ منَ المالِ بالإضافةِ إلى مصالحِ الدنيا هو الاستعانةُ بهِ على طلبِ الاخرةِ ، قال تعالى ( وابتغِ فيما آتاكَ اللهُ الدارَ الآخرةَ ).
لأنَّ منَ الناسِ من إستهوتهُمُ الدنيا ، وسيطرت الأموالُ على قلوبِهم ، وحسِبوا أنهم إنْ أشبعُوا غريزةَ حبِّ المالِ سعدوا في الدنيا ، وفازوا في الآخرةِ ، ولقد حدثنا القرآنُ الكريمُ عن أمثالِ هؤلاءِ وما أعدَّ اللهُ لهم من العذابِ الأليمِ فقالَ سبحانه ( ويلٌ لكلِّ هُمزةٍ لمزةٍ الذي جمعَ مالا وعددهُ يحسبُ أنَّ ماله أخلدَهُ كلا لينبذنَّ في الحطمةِ وما أدراكَ ما الحطمة نارُ اللهِ الموقدة ) هذا هو مصيرُ من رَكَنَ إلى الدنيا واغترَّ بمالِهِ ، وظنَّ أنَّ المالَ سيمُدُّ في عُمُرِهِ ، أو أنهُ ليسَ مسئولا عنهُ يومَ القيامةِ ، واللهِ أيها الناسُ ، إننا لمسؤولونَ عن هذهِ الأموالِ ، نسألُ الله لنا ولكم السلامةَ يومَ القيامةِ أعوذُ باللهِ من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( ألهاكم التكاثر ، حتى زرتم المقابر ، كلا سوف تعلمون , ثم كلا سوف تعلمون ، كلا لو تعلمون علم اليقين ، لترون الجحيم ، ثم لترونها عين اليقين ، ثم لتسألن يوئذ عن النعيم ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم 








الخطبة الثانية:
أما بعدُ ايها المسلمون : فاتقوا اللهَ واعلموا أنَّ المالَ الذي بينَ أيديكم هو مالُ اللهِ ، وأنَّ اللهَ أعطاكم إياهُ لتبتغوا بهِ الدارَ الآخرةَ ، وإذا علمنا أنَّ المالَ وسيلةٌ وسبيلٌ ، وليسَ هدفاً وغايةً ، هانت علينا مصائبُ الدنيا لأنَّ معظمَ ما يصيبُ الإنسانَ في هذه الدنيا إنما هو بسببِ المالِ وتعلقهِ بهِ ، وحرصِهِ عليهِ ، وأكثرُ الخصوماتِ والعداواتِ وقضايا المحاكمِ الشرعيةِ وجرائمِ الإنسانيةِ ، يقبعُ المالُ وحُبُّ المالِ خلفَهَا ، فإذا علمنا حقيقةَ هذا المالِ تجاوزنا كلَّ الصعوباتِ ، وتخطينا كلَّ المحنِ 
وما المرءُ إلا كالشهابِ وضوئِهِ
يحورُ رماداً بعدَ إذ هو ساطعُ
وما المالُ والأهلون إلا وديعةٌ
ولا بدَّ يوما أنْ تردَّ الودائعُ
ويمضونَ أرسالاً ونخلفُ بعدَهم
كما ضمَّ أخرى التالياتِ المُشايِعُ
وما الناسُ إلا عاملانِ فعاملٌ
يُتبِّرُ ما يبني وآخرُ رافعُ
فمنهم سعيدٌ آخذٌ لنصيبِهِ
ومنهم شقيٌّ بالمعيشةِ قانعُ
أليسَ ورائي إنْ تراخَتْ منيتِي
لزومُ العصا تُحنى عليها الأصابعُ
، نسألُ اللهَ أن يرزقنا المالَ من حِلِّه ويوفقنا إلى صرفِهِ في مسالكِ الخيرِ ومجاري الإحسانِ ، ونسألُ اللهَ أنْ يصرفَ عنا المالَ المحرمَ ويصرفنا عنهُ ، وأن يجعلَنا ممن يتعاونونَ على البرِ والتقوى ، والخيرِ والإحسانِ ، صلو وسلموا ..
person
خطبة الجمعة بعنوان:الــرزاق 


الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الحَمْدُ لِلّهِ هُوَ الغَنِيُّ وَعِبَادُهُ الفُقَرَاءُ, وَهُوَ القَوِيُّ وَخَلْقُهُ هُمُ الضُّعَفَاءُ, أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَمَّنْ أَسَاءَ, وَأَشْكُرُهُ بَسَطَ الرِّزْقَ وَأَجْزَلَ النَّعْمَاءَ , وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى, وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هُوَ الأخشَى لِرَبِّهِ وَالْأَتْقَى, أَكْثَرُ العِبَادِ ذِكْرًا ، وَأَصْدَقُهُمْ شُكْرًا, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ, وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعْهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ : أَيُّهَا النَّاس / اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التّقْوَى، فَتَقْوَى اللهِ سَبيلُ الْـهُدَى، وَالْفَلَاحِ وَالرِّزْقِ وَالنَّجَاحِ (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا))
تَوَكَّلْتُ فِي رِزْقِي عَلَى اللهِ خَالِقِي وَأَيْقَنْتُ أَنَّ اللهَ لاشَكَّ رَازِقِيِ وَمَايَكُ مِنْ رِزْقٍ فَلَيْسَ يُفَوُتُنِي وَلَوْ كَانَ فِي البِحَارِ الْعَوامِقِ سَيَأْتِي بِهِ اللهُ العَظِيمُ بِفَضلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنِّي اللِّسَانُ بِنَاطِقِ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ النَّفْسُ حَسْرَةً وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الخَلَائِقِ
أَيُّهَاْ الْمُـسْلِمُونَ / أَكْثَرُ مَا يَشْغَلُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا, وَيَأْخُذُ اِهْتِمَامَهُمْ هُوَ اِنْشِغَالُهُمْ بِرِزْقِهِمْ, وَالتَّطَلُّعُ لِمُسْتَقْبَلٍ مَادِّيٍّ مُشْرِقٍ, وَلَوْ تَأَمَّلَ العَاقِلُ فِي نُصُوصِ الشَّرِيعَةِ لِعَلَمَ يَقِينًا أَنَّ الرِّزْقَ مَضْمُونٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَبَارِكَ وَتَعَالَى, وَهُوَ القَائِلُ ((وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُون)) وَالْقَائِلُ ((وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) وَقَالَ تَعَالَى ((فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ))
وَاللّهُ تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ ،كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )) وَتَكَفَّلَ بِرِزْقِهِمْ وَضَمِنَهُ لَـهُمْ ،كَمَا قَالَ تَعَالَى ((?للَّهُ ?لَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)) وَقَالَ تَعَالَى((وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ?لأرْضِ إِلاَّ عَلَى ?للَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ ))
فَالرِّزْقُ حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ, يَخْتَصُّ بِهِ اللّهُ تَعَالَى دُونَ شَرِيكٍ وَلَا مُعِينٍ , وَيَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَى البِرِّ وَالفَاجِرِ, وَالْـمُؤْمِنِ وَالكَافِرِ بَلْ عَلَى الخَلْقِ أَجْمَعِينَ ،كَمَا قَالَ تَعَالَى (( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )) فَسُبْحَانَ مَنْ اِمْتَدَّ رِزْقُهُ لِلبَهَائِمِ فَضْلًا عَنِ العُقَلَاءِ, فَرَزَقَ الطَّيْرَ فِي أَوْكَارِهَا, وَالسِّبَاعَ فِي جُحُورِهَا, وَالْـحِيتَانَ فِي قَاعِ بِحَارِهَا, وَشَمَلَ رِزْقُهُ الدَّوَابَّ بِأَنْوَاعِهَا, كَمَا قَالَ تَعَالَى (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)) 
وَلَوْ أَنْصَفَ العَبْدُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ لَعَلِمَ أَنَّ فَضْلَهُ فِيمَا مَنَعَهُ أَعْظَمُ عَلَيْهِ مِمَّا آتَاهُ, فَاللّهُ لَا يَمْنَعُ عَبْدَهُ الدُّنْيَا إِلَّا لَيُعْطِيَهُ, وَلَا اِبْتَلَاهُ إِلَّا لَيُعَافِيَهُ, وَلَا أَمَاتَهُ إِلَّا لَيُحْيِيَهُ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحُ:" أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُم "
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ اِسْتِجْلَابِ الرِّزْقِ: عِبَادَةُ اللّهِ تَعَالَى وَتَقْوَاهُ, وَالتَّفَرُّغُ لَهَا, وَالاِعْتِنَاءُ بِهَا, وَقَدْ أَخْرَجَ التَّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ؛ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي امْلأْ صَدْرَكَ غِنَىً ، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلأْتُ صَدْرَكَ شُغْلاً ، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ" صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
وَلَا يَعْنِي هَذَا - عِبَادَ اللهِ - تَرْكُ فِعْلِ الأَسْبَابِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ؛ فَاللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )) فَالْـمُـسْلِمُ السَّعِيدُ هُوَ الَّذِي تَعْتَدِلُ أَمَامَهُ مَسَالِكُ الحَيَاةِ فِي طَلَبَ الرِّزْقِ، فَيَعْمَلُ وَيَتَصَبَّبُ عَرَقُهُ لِيَتَطَهَّرَ وَيَتَحَرَّرَ مِنْ فَضَلَاتِ الكَسَلِ لِيَكْسَبَ الكَسْبَ الحِلَال ، وَقَدْ رَأَى الْفَارُوقُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَوْمًا قَابِعَيِنِ فِي رُكْنِ الْـمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الجُمْعَةِ فَسَأَلـَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ? قَالُوا: نَحْنُ الْـمُتَوَكِّلُونَ, فَضَرْبُهُمْ عَمْرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بالدُّرَّةِ ،وَقَالَ: لَايَقْعُدَنَّ أحدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ: اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً, وَاللّهُ يَقُولُ: (( فإذا قُضِيتِ الصلاّةُ فَانْتَشِروا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللّه ))
وَمِنْ أَسْبَابِ اِسْتِجْلَابِ الرِّزْقِ: الاِسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ, وَقَدْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْريِّ الْجـَدْبَ ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَا آخَرُ إِلَيْهِ الْفَقْرَ فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَقَالَ لَهُ آخَرُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَدًا، فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ ، وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ جَفَافَ بُسْتَانِهِ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ ، فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: مَا قُلْتُ مِنْ عِنْدِي شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (( فَقُلْتُ ?سْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ?لسَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْو?لٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـ?تٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً)) 
وَمِنْ أَسْبَابِ اِسْتِجْلَابِ الرِّزْقِ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللّهِ تَعَالَى, قَالَ اللّه تَعَالَى: ((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ?للَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ?للَّهَ بَـ?لِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ?للَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً)) وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتَّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ, بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا "
فَاتَّقُوُا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاْصْدُقُوا بِيَقِينِكُمْ أَنَّ اللّهَ تَعَالَى هُوَ الرَّزَّاقُ فِي السَّعَةِ وَالشِّدَّةِ ، وَفِي الرَّخَاءِ وَالضِّيقِ ، وَالأَمْنِ وَالخَوْفِ ، وَالسِّلْمِ وَالحَرْبِ .
باركَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكتابِ والسُّنة، وَنَفَعنا بِما فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتغفرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم 
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بَعْدُ :
وَمِنْ أَسْبَابِ اِسْتِجْلَابِ الرِّزْقِ: صِلَةُ الرَّحِمِ ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " 
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . 
وَمِنْ أَسْبَابِ اِسْتِجْلَابِ الرِّزْقِ: الإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللهِ, قَالَ اللّه تَعَالَى: (( وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ?لرَّازِقِينَ ))
وَمِنْ أَسْبَابِ اِسْتِجْلَابِ الرِّزْقِ: الإِحْسَانُ إِلَى الضُّعَفَاءِ وَالفُقَرَاءِ, وَبَذْلُ العَوْنِ لِهُمْ ،قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابغُوني في ضعفائِكُمْ، فإنَّما ترزقُونَ وتُنصرونَ بضعفائِكُم " رَوْاهُ الحَاكِمُ وَالتَّرْمِذِيُّ .
وَمِنْ أَسْبَابِ اِسْتِجْلَابِ الرِّزْقِ: الدُّعَاءُ, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ... الْـحَدِيث )) 
اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا رِزْقًا وَاسِعًا, حَلَالًا طَيِّبًا, رِزْقَا مِنْ غَيْرِ كَدٍّ ، وَاِسْتَجِبْ دُعَائَنَا مِنْ غَيْرِ رَدٍّ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ يأَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .
person
 مجموعة كثيرة من خطب الجمعة جاهزة  - أطبع وأخطب Khotba10
 الأمر بالإعراض عن الطعن في الأعراض


ملخص الخطبة
1- ظاهرة الطعن في الأعراض. 2- الزجر عن الطعن في الأعراض. 3- التحذير من الحكم على النيات. 4- فري الأعراض الممنهج. 5- عقوبة الوالغين في الأعراض. 6- فضل الذب عن أعراض المسلمين. 7- سبل القضاء على هذه الظاهرة النكراء.


الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تبارك وتعالى قولًا وفِعالًا، اتقوه خضوعًا وامتِثالًا، بُكرًا وآصالًا؛ تُحقِّقوا عِزًّا وجلالًا، وسُؤددًا وكمالًا، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5].


وكُــــــــن مُخبِتًــــــــــا لله بالتقـــــوى الـــــتـــــي هي الزادُ للأخرى ودَع كلَّ من ألوَى


فحسبُك وانزِل حيثُمـــــا نزل الهُدى        وكُن حيثُما كـــان التـــــورُّع والتقــــــــــوى


أيها المسلمون، في إثر ما يشهَده العالم من المِحَن المُتلاطِمة المُتتالية، واصطِخاب الرَّزايا الفدَّاحة المُتتالية، التي اشتجَرَت فيها العقول، وبعثَت على الدهشة والذُّهول، وعلى غارِب العصر التِّقَنيِّ الأخَّاذ الذي سبَى الأفهام، وسحَرَ الضِّعافَ من الخاصَّة والعوام، تبرزُ قضيةٌ مُؤرِّقةٌ فاتِكة، ولوحدة الأمة وائتِلافها مُمزِّقةٌ هاتِكة، ما ألمَّت بالأمم إلا أوبقَتها، ولا بالمُجتمعات والأفراد -وهم مُضرِموها- إلا في التبارِ أوهقَتها، وفي سخَط الديَّان أرهقَتها.


تلكم -يا رعاكم الله- الطعنُ في الأعراض والذَّوات، واتِّهامُ البُرآء والنيَّات، وإنها لقيمةٌ وبِئسَت القيمة، وبِئةٌ ذميمةٌ، للسفهاء هضيمةٌ لقيمةٌ، يسعى مهازِيلُها وأغرارُها في نشر الإفك والبُهتان، والأقاويل المُفسِدة بين المُسلمين بالتدابُر والهُجران، أضاليلُ إن لُحمتُها إلا القيلُ والتخمينُ، وسَداها الافتراءُ المُبين. أما رُواتُها فقراصِنةُ الأعراض وسَماسِرةُ الأدواء والأمراض التي تهصِر تماسُك المُجتمعات، وتصهَرُ مِلاكَ القِيَم الرَّضِيَّات.


ولأجل تلك المسالِك النافُوقاء المُعوَجَّة، والرُّعونات السَّحماء الفَجَّة، التي تنهَشُ الأعراض بالجُلامة والمِقراض، جاء الزجرُ الأكيد، والوعيدُ القاطعُ الشديد في السنة والكتاب بسُوء المصيرِ والمآبِ، لكل مشَّاءٍ بالبُهت مُفترٍ كذَّاب، يقول سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58]، وعن أبي هريرة  أن النبي  قال: «الرِّبا سبعون حُوبًا، أيسرُها مثلُ نِكاح الرَّجُل أمَّه، وإنَّ أربَى الرِّبا استِطالةُ الرجل في عِرض أخيه» أخرجه البزَّار في "مسنده" وابن أبي شيبة في "مصنفه".


الله أكبر! ما أجلَّ عِرضَ المُسلم وما أعظمَه! وما أسماه وما أكرمَه! لذلك صانَه الشرع الحنيف، دون الشتم والوقيعة والتعدِّي، والطعن والقذف والتحدِّي؛ فحفظُ الأعراض أحسنُ الأغراض، وأحدُ أعظم مقاصِد الشريعة الغرَّاء، كما عدَّ ذلك أهلُ العلم كالشاطبي وغيره.


فاحفظ لسانَك من طعنٍ على أحـــــدٍ       من العبادِ ومن نقلٍ ومن كذِبِ


وانصِف ولا تنتصِف منهم وناصِحهم     وقُم عليهم بـــــحقِّ الله وانتدِبِ


أيها المؤمنون، وتتبُّع العيوب والعورات، وتقصُّد النقائِص والهِنات والعثَرات سُلوكٌ رثٌّ هدَّام، وخُلُق أهل اللُّؤم والآثام، مُحادٌّ لشرع الله عز وجل وهديِ رسولِه  القائل: «طُوبَى لمن شغلَه عيبُه عن عيوبِ الناس» أخرجه البزَّار في "مسنده" والبيهقي في "شُعبه".


قال بعضُ السلف: "أدركنا السلفَ الصالحَ وهم لا يرَون العبادة في الصلاة والصيام، ولكن في الكفِّ عن أعراض الناس". وكان مالكُ بن دينار رحمه الله يقول: "كفَى بالمرء إثمًا أن لا يكون صالحًا، ويقعَ في عِرض الصالحين".


والأعظمُ من القدح البائِن الصريحِ والطعنِ والتجريحِ الحُكمُ على النيَّات، واتِّهامُ المقاصِد والمآلات، والخوضُ بكل صفاقةٍ في غيب السرائر، وقذفُها بالعيُوبِ والجرائِر، التي لا يعلمُ حقيقتَها إلا الله عز وجل. كل ذلك يُنشر ويُذاع، ويقذعُ الأسماع، بنفسٍ مُتَّشِحةٍ بالضَّغينة والغُرور، موزورةٍ بالقول المرذُول، خافِقةٍ بالجهل والشُّرور، بطينةٍ بالفواقِر والثُّبور. فوا أسفاه، وا أسفاه!


ومما زاد الطِّين بِلَّة والزمانة عِلَّة، ممن جعل نهشَ الأعراض تأصيلًا مُستطابًا، ومن هدم تلاحُم الأمة نقدًا واحتِسابًا، ومن ظُلم القُدوات نهجًا جرَى حقًّا وصوابًا. ربَّاه ربَّاه! أيكون الباطلُ حقًّا لُبابًا؟! كلا، لعمرُ الحق وألفُ كلا، إن ذلك إلا الجهلُ وسُوءُ الظنِّ تدفَّقا عِيًّا وحصَرًا مُذابًا.


فهم كما وصفَ ربُّ العالمين: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: 32]، في خرقٍ للنَّسيجِ الاجتماعيِّ المُتميِّز، والمنظومة القِيَميَّة المُتألِّقة.


فكلُّ لفظٍ مُعدٌّ في صحائِفِنا      ليوم حشرٍ ففيـــــه الشرُّ ينـــــدحِرُ


وزلَّةُ المرء في لفظٍ وفي خبرٍ       فصُنهُما كم دهانا اللفظُ والخبرُ


إخوة الإيمان، يُساقُ ذلك وقد عظُم الخطبُ وجلَّت الرَّزِيَّة، واستُخِفَّت البليَّة بفَريِ أعراض رُموز الأمة وعُلمائِها فَريًا، ممن أعراضُهم أشرقُ من ذُكاء، ومناقِبُهم بعدد أنجُم السماء. يُثلبُ من النَّزَقةِ شأنُهم، وتُكلمُ سُمعتُهم عبر ما يُعرف بـ"وسائل الإعلام الحديث"، فإذا رأيتَ ثمَّ رأيتَ ثرثرةً ولآمَة، وهُراءً وفدامة، وكثيرًا قد سلَّ للبهيتة أقلامَه، وصوَّبَ للجُرم سِهامَه، وجرَّد -يا ويحَه- من لسانِه حُسامَه، طعنًا في الأخيار والبُرآء، والمُصلِحين والنُّزَهاء، الذين يعيشون قضايا الأمة وجِراحَها، ويُضمِّدون نزيفَها ويرومُون فلاحَها.


وقد قال عليه الصلاة والسلام في خُطبته الشهيرة يوم عرفة: «إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحُرمة يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، في شهرِكم هذا»، وقال : «كلُّ المُسلم على المُسلم حرامٌ، دمُه ومالُه وعِرضُه» أخرجه مسلم.


قال الإمام أحمد رحمه الله: "ما رأيتُ أحدًا تكلَّم في الناس إلا سقط"، وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والكلامُ في الناس يجبُ أن يكون بعلمٍ وعدلٍ، لا بجهلٍ وظُلمٍ، والوقيعةُ في أعراضِهم أشدُّ من سرقة أموالِهم".


يا هاتِكًا حُرُم الرِّجال وقاطِعًا    سُبُل المودَّة عشتَ غيرَ مُكرَّمِ


لو كنتَ حرًّا من سُلالة ماجِدٍ    ما كنتَ هتَّاكًا لحُرمة مُسلـــــمِ


فيا إخوة الإيمان، إن الخائِضَ في أعراض المُسلمين، وعلى وجهٍ أشدُّ وأخصُّ الجِلَّة المرمُوقين، من وُلاة الأمر والعُلماء والمُصلحِين، حالُه في إدبارٍ عن الله وإعراضٍ، مُيسَّرٌ للعُسرى، لا يعرِفُ لذوِي الفضل حمدًا ولا شُكرًا، ولا مقامًا ولا قدرًا.


وقد غدَا فِئامٌ من الناس، وخصوصًا مع زمجَرة الإعلام الجديد، أصبَحوا لا يسكنُ لهم قرار، ولا يهدأُ لهم بالٌ ولا اصطِبار، إلا بتمزيق الأعراض، بصواعِق الألفاظ، وهمَزات الألحاظ، واستِهامها كالأغراض، وبئسَت الغايات والأغراض. يكتبُون الزُّور، وبه تجرِي أقلامُهم، ويكتُمون الحق، وبه تأمرُهم أحلامُهم، في تفتيتٍ لوحدة الأمة الإسلاميَّة والأُخُوَّة الإيمانيَّة، بتصنيفاتٍ فِكريَّة، وتقسيماتٍ حِزبيَّة، ومسالِك مذهبيَّة، ونعَراتٍ طائفيَّة، لا تخدمُ إلا الأجِندات الخفِيَّة، تستهدِفُ وحدةَ وأمن واستقرار المُجتمعات الإسلامية، والله المُستعان.


فيا أيها المُتهوِّكون في سِيَر العباد ونيَّاتهم، تجافَوا عن تلك المساخِط، وترفَّعوا عن هذه المُستنقعَات والمهابِط، وارغَبوا إلى الديَّان بالنجاة والسلامة، قبل حُلول الفُجاءَة والنَّدامة، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 14].


يُحرِّفُ القولَ في جهـــــــــــــــلٍ يئِنُّ لــــــــــه         فُؤادُ من يتَّقِي شـــــرًّا وإجــــــــــرامًا


ويلمِزُ العِرضَ لا تقوى لذِي سفَـــــهٍ        وكيف يرقَى سفيهُ القول أحلامًا


واعلموا -عافاني الله وإياكم- أن عقوبة التعدِّي على الأعراض سفكًا وحشًّا وعقرًا ونهشًا أمرٌ ترتعِدُ له الفرائِص، وترتاعُ له القلائِص، عن أنس بن مالكٍ  أن النبي  قال: «لما عُرِج بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ، يخمِشون وجوهَهم وصُدورَهم، فقلتُ: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلُون لحومَ الناس ويقَعون في أعراضِهم» أخرجه أبو داود في "سننه". فاللهم سلِّم سلِّم.


أمة الإسلام، والحقُّ الحقيقُ على كل مُسلمٍ ومُسلمةٍ أنْ إذا سمِع مُستطيلًا في عِرضِ أخيه، ينالُ منه أو يفرِيه أرشدَه ونصحَه ونهاه، وأخذَه إلى مهايِع الإنصافِ وهداه، وحذَّرَه من التخرُّصات والأباطيل، والقالِ والقِيل، التي تجُرُّ إلى الويلات والتحاسُد، ولا تُعقِبُ إلا المهالِك والمفاسِد. يقول عليه الصلاة والسلام: «من ذبَّ عن عِرضِ أخيه كان له حِجابًا من النار» أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وفي روايةٍ: «ذبَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة».


وبعدُ: معاشر المسلمين، ولكي تسلمَ المُجتمعات من غُلَواء هؤلاء لا بُدَّ من الأخذ على أيديهم، والحَزم في مُقاضاتهم، وتطبيق أحكام الشَّرع فيهم، حتى لا تكون أعراضُ الأمة حِمًى مُباحًا لكل راتِع، وكلأً مُستباحًا لكل راثِع، ونهبًا مُنتهبًا لكل راءٍ وسامِع.


وبذلك نُؤسِّسُ لأنفسنا ومُجتمعاتنا سلامًا ذاتيًّا تترسَّخُ فيه قِيَم الوُدِّ والصفاء، وشِيَمُ النُّبل والإخاء، ونهزِمُ بإذن الله المرحلةَ الحرِجَة الكأداء، بالقِيَم النبيلة، والمبادِئ القويمة، والنفوس الطاهرة السليمة، وبعزيمة الأقوياء وأيُّ عزيمة! لأن ارتباط الأمم منوطٌ بارتِقاء أفرادها، وارتِقاءُ أفرادها منوطٌ بارتِقاء أنفسهم وسُمُوِّها وإشراقِها، وسلامتها وائتِلاقِها.


هذا الرجاءُ، وذاك الأمل، واللهَ نرجُو التوفيقَ لصادق القول وخالِصِ العمل.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12].


بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعَنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


 
الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ المُتقين، أحمدُه تعالى حمدًا لا يتناهَى ولا يَبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أُسوةُ المُتزكِّين وقُدوةُ الطاهرين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلهِ الأصفِياء الميامين، وصحبِه البرَرَة السابِقين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله في السرِّ والعلَن، وصُونوا أعراضَ المسلمين بأقوَم الهديِ والسُّنَن؛ تفوزوا بأعظم البركات والرَّحمات والمِنَن.


إخوة الإيمان، ولنا في الهديِ الربَّانيِّ والمنهَج الإصلاحيِّ القرآنيِّ خيرُ علاجٍ وشفاءٍ لحسم الطعون والأدواء، وحمل المُسلمين على عِفَّة اللسان والصفاء، وذلك في قول الحقِّ تبارك وتعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور: 12]. وبذلك تسلمُ من الشُّكوك الصُّدور، وتتطهَّرُ من الأحقاد والوُحور، وتغدُو الأعراضُ في منأًى عن الغِيبَة والنَّميمة والبُهتان والزُّور.


وكذا القولُ الصحيحُ البديع، للحبيب الشَّفيع -بأبي هو وأمي- عليه الصلاة والسلام: «المُسلمُ من سلِمَ المُسلمون من لسانِه ويدِه» أخرجه البخاري ومسلم. وبذلك يُتمَّم نُبلُ الأخلاق والمكارِم تتميمًا، ويغدُو مُحيَّا الأُخُوَّة والمودَّة أغرَّ وسيمًا، والتآلُف بين المُجتمع مُؤكَّدًا لَزيمًا، والحبّ الربَّانيِّ على صفَحات القلوب مُدبَّجًا رَقيمًا، وما ذلك على الله بعزيز.


هذا، وصلُّوا وسلِّموا على النبي الحبيب الكريم، ذي القدر العليِّ العظيم، والشرفِ الجلِيِّ الكريم، كما أمرَكم بذلك المولَى الرحيم في التنزيل الحكيم، فقال جلَّ جلالُه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقال : «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».


اللهم فاجعَل صلاتَك والسلامَ مُضاعفًا   لنبيِّـــــك المُختارِ خيـــــرِ مُشفَّـــــعِ


المُصطفَـــــى الهــــــــــادِي إليــــــــــك مُحـــمَّــــــــــدٍ       والآلِ والأصـــــحـــــابِ ثم التابِعِ


اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على البشير النذير والسراج المُنير...

محمدرمضان يعجبه هذا الموضوع

person
راجي عفو ربه كتب:
خطبة جمعة بعنوان: تربية الأولاد في الإسلام


إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله ، إن من أعظم النِّعم التي ينعم الله بها على عِباده نعمة الأبناء، فهم - إذا صلحوا - عملٌ صالح يستمر للأبوين حتى بعد موتهما، فقد قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلَّا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يَدعو له) [1] أخرجه مسلم (1631).
، ومع صلاحهم ينال الأبوان برَّهم، وطاعتهم، ونفعهم، وهكذا تكون نِعمة الأولاد تعود على الأبوين بالخير في الدنيا والآخرة، وهم زينة الحياة الدنيا: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، والأولاد المقصود بهم الأبناء والبنات، والخير في البنات في الشريعة الإسلامية جاء التأكيد عليه؛ لما كان من كراهية أهل الجاهلية للبنات.
والأولاد مع ما فيهم من فضل وخير، ومع كونهم نِعمة، فهم أمانة يجب تأديتها كما يحبُّ الله جل في علاه، وهو القائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58]، بل إن ذلك من أعظم الأمانات التي تجب على الإنسان، وخيانتها من أعظم الخيانات: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]، هي والله أمانة؛ لأن الأمر من الملك الجبار جاء بوجوب وقاية الأولاد من النار، وأن يبعدهم المسؤول عنهم عن كلِّ طريق يوصل إلى جهنم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]؛ "أي: فقِّهوهم، وأدِّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم.
وجاء البيان من رسول ربِّ العالمين بأنَّ المرء يُسأل عن رعيَّته يوم الدين، فبأي شيء يجيب مَن ضيَّع أولاده؟ وبماذا سينطق مَن خان الأمانة؟ يقول عليه الصلاة والسلام: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته...، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زَوجها ومسؤولة عن رعيَّتها) أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).، فتربية الأولاد ورعايتهم مسؤوليَّة قد يتسبَّب إهمالها وعدم حفظها في مَصير مؤلم ينتظر الوالدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن عبد يَسترعيه الله رعيَّةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته، إلا حرَّم الله عليه الجنَّة) أخرجه البخاري (7151)، ومسلم (142)
فدَور الأبوين مهم جدًّا في تحديد مَسار الأولاد، وكما أنَّهما سبب في صلاحه، فهما سبب رئيس في فساده، وذلك يكون بإهمال مراقبتهم وتفقّد أحوالهم وتيسير سبل التّواصل معهم كي يتعوّدوا على البوح بأسرارهم وإطلاع الوالديْن على ما يختلج في صدورهم.
عباد اهم ، إننا لعِلمنا بالمسؤوليَّة الكبيرة الملقاة على عاتقنا من تربية أولادنا وإنشائهم نشأة صالحة لا بدَّ من اتباع خطوات مهمَّة نصَّ عليها القرآن، وتكلَّم بها الرسول الكريم، ومضى عليها في حياته، وفعلها الأنبياء والصالحون.
من هذه الخطوات: الدعاء للأولاد بالصَّلاح والهداية والخير، فها هو الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو فيقول: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وقال أيضًا: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، ورفع أكف الضَّراعة إلى ربه قائلًا: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128]، وها هم عباد الرَّحمن يدْعون بأن يهب الله لهم ما تقر به أعينهم من الذريَّة الصالحة: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، وزكريا عليه السلام لا يطلب الذرية فقط؛ بل يطلبها مع كونها طيِّبة صالحة: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، ودعاء الوالد لولده من الدعاء المستجاب الذي يُرجى أن يتحقَّق بإذن الله عز وجل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شكَّ فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر) أخرجه أحمد (9840) بلفظه، وأبو داود (1536)
والله تعالى الذي خلق الوالدَ وجعل فيه الرحمة على ولده، وحبه لفلاح ولده ونجاحه في الدنيا والآخرة، وشفقته عليه من كل ما يؤذيه - جعل دعوته مستجابةً لولده، والوالدةُ رحمتُها وشفقتها أكبر؛ فهي داخلة في استجابة الدعاء من باب أولى.
ففي روايات أخرى: ((... ودعوة الوالد على ولده) أخرجه الترمذي (1905)، وأحمد (8375)؛ لذلك نَهى النبي صلى الله عليه وسلم صراحة عن الدعاء على الأولاد، فقال: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تَدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم) أخرجه مسلم (3014).
ويوجِّه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه إلى الدعاء للذريَّة قبل أن تولد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنَّ أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهمَّ جنِّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رَزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولَد في ذلك، لم يضره شيطان أبدًا) أخرجه البخاري (141)، ومسلم (1434) ، وكان يدعو للصبية؛ كما ذكرت ذلك عائشةُ رضي الله عنها إذ قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرِّك عليهم، ويحنِّكهم، وكم حصل من الخير للأولاد الذين فقه آباؤهم وأمَّهاتهم هذا الأمر العجيب الذي هو الدعاء، فكان ذلك سببًا في صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم.


ومن الخطوات التي يحرص عليها في تربية الأولاد: رَحمتهم، وإبداء العطف والحنان تجاههم، وهذا من أهمِّ الأمور التي يحتاجها الأولاد، فعن أبي بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخطبنا، إذ جاء الحسن والحسين عليهما قَميصان أحمران يَمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: ((صدَق الله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15]، فنظرتُ إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبِر حتى قطعتُ حديثي ورفعتهما) أخرجه الترمذي (3774)
ويوجز في الصلاة ويختصر رحمةً بصبيٍّ سمعه يبكي، فأوجز لانشغال أمِّه به، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنِّي لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاءَ الصَّبي؛ فأتجوَّز في صلاتي مما أعلم من شدَّة وَجْدِ أمِّه من بكائه) أخرجه البخاري (709).
عباد اهمّ، إنّ الشفقة والرّأفة بالأبناء لا تعني أبدا أن نوافق هواهم في كل ما يطلبون، فكم من أب أو أمّ اشتريا لابنهما هاتفا جوّالا من أعلى طراز وفي ظنّهما أنّهما أحسنا صنعا في ذلك، ولكنّهما قد فتحا له بابا من أبواب الضلال وضياع الأوقات وترك الدروس في المدراس والمعاهد، وغير ذلك من سبل الفساد والضياع، والحال أنّه كان يمكن للوالديْن تمكين ولدهما من هاتف زهيد الثمن ولكنّه لا يحتوي على مواصفات قد تؤذيه أو قد تطلعه على عالم من عوالم الفساد.
ولا يخفى عليكم عباد اهأذ ما يعيشه عدد كبير من أبنائنا من تشتّت ذهنيّ واتّباع للأهواء والألعاب الإلكترونيّة الخطيرة التي قد تكون سببا في إيذاء الطفل لنفسه أو حتّى في انتحاره كما حدث هنا وهناك، ولا شكّ أنّ أهمّ سبيل من سبل تحصين الأبناء ضدّ موجة الإغواء والإضلال التي يعيشون يتمثّل في توعيتهم وتشجيعهم على إقام الصّلاة في وقتها وحثّهم على حفظ القرآن والعمل به، فالها سبحانه يذكّنا بأنّ خلقنا كان لحكمة جليلة ينبغي الوعي بها، ألم يقل سبحانه:
(أفحسبتم أنّا خلقناكم عبثا وأنّكم إلينا لا ترجعون؟)
نسأل اهمّ السميع البصير لأبنائنا السّلامة من كل سوء، كما نسأله سبحانه لهم الهداية والتشبّث بالدّين إنّه سميع قريب مجيب ولا حول ولا قوّة إلا باله العليّ العظيم.
removeمواضيع مماثلة
منبر الجمعة [ مجموعة خطب مختارة ]
مجموعة أحاديث نبويه شريفه صحيحه ومتفق عليها
"القحطاني" يكشف عن عشب شائع يخفض مستوى السكر بالدم ويعالج أمراض كثيرة: "مستشفى كاملة"
سنن يوم الجمعة
موسوعة خطب الجمعة
power_settings_new قم بتسجيل الدخول للرد